responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 383
الْمُؤَاخَذَةُ
إِلَّا عَلَى الْحِنْثِ لَا أَصْلِ الْقَسَمِ إِذْ لَا مُؤَاخَذَةَ لِأَجْلِ مُجَرَّدِ الْحَلِفِ لَا سِيَّمَا مَعَ الْبَرِّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ كَسْبَهُ الْحِنْثَ أَيْ تَعَمُّدَهُ الْحِنْثَ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْمُؤَاخَذَةُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ أُجْمِلَتْ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ، وَبُيِّنَتْ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ بِالْكَفَّارَةِ، فَالْحَالِفُ عَلَى ظَنٍّ يَظْهَرُ بَعْدُ خِلَافُهُ لَا تَعَمُّدَ عِنْدَهُ لِلْحِنْثِ، فَهُوَ اللَّغْوُ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ، أَيْ لَا كَفَّارَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَهُوَ كَاذِبٌ، فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ قَسَمٌ لَيْسَ بِلَغْوٍ، لِأَنَّ اللَّغَوِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ بَعْدَ اعْتِقَادِ الصِّدْقِ، وَالْقَائِلُ: «لَا وَاللَّهِ» كَاذِبًا، لَمْ يَتَبَيَّنْ حِنْثُهُ لَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، بَلْ هُوَ غَافِلٌ عَنْ كَوْنِهِ حَالِفًا، فَإِذَا انْتَبَهَ لِلْحَلِفِ وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، لِأَنَّهُ حَلِفَهَا حِينَ حَلِفَهَا وَهُوَ حَانِثٌ.
وَإِنَّمَا جَعَلْنَا تَفْسِيرَ (مَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) كَسْبَ الْقَلْبِ لِلْحِنْثِ، لِأَنَّ مَسَاقَ الْآيَةِ فِي الْحِنْثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [الْبَقَرَة: 224] ، إِمَّا إِذْنٌ فِي الْحِنْثِ، أَوْ نَهْيٌ عَنِ الْحَلِفِ خَشْيَةَ الْحِنْثِ، عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بَيَانٌ وَتَعْلِيلٌ لِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْبَيَانِ حُكْمُ الْمُبَيَّنِ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: اللَّغْوُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْكَذِبُ، فَتَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ بِلَا قَصْدٍ كَالَّتِي تَجْرِي عَلَى الْأَلْسُنِ فِي لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ كَانَ بِقَصْدٍ مَعَ اعْتِقَادِ الصِّدْقِ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: اللَّغْوُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَلَا إِثْمَ. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّغْوَ هُنَا، مُقَابِلًا لِمَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، وَنَفَى الْمُؤَاخَذَةَ عَنِ اللَّغْوِ وَأَثْبَتَهَا لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ لَا مَحَالَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَا عَلَى أَصْلِ الْحَلِفِ، فَاللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَا حَنِثَ فِيهَا وَلَمْ يَرَ بَيْنَ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَةِ الْمَائِدَةِ تَعَارُضًا حَتَّى يَحْمِلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بَلْ قَالَ: إِنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ جَعَلَتِ اللَّغْوَ مُقَابِلًا لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ، وَأَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ أَيْ عَزَمَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ مُطْلَقَةٌ تَنْصَرِفُ إِلَى أَكْمَلِ أَفْرَادِهَا، وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، أُرِيدَ بِهِ الْغَمُوسُ وَجَعَلَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ اللَّغْوَ مُقَابِلًا لِلْأَيْمَانِ الْمَعْقُودَةِ.
وَالْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ: الرَّبْطُ، وَهُوَ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَقَدْ أَضَافَهُ إِلَى الْأَيْمَانِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا الْيَمِينُ الَّتِي فِيهَا تَعْلِيقٌ، وَقَدْ فَسَّرَ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ [الْمَائِدَة: 89] إِلَخْ، فَظَهَرَ مِنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّغْوَ مَا قَابَلَ الْغَمُوسَ، وَالْمُنْعَقِدَةَ، وَهُوَ نَوْعَانِ لَا مَحَالَةَ، وَظَهَرَ حُكْمُ الْغَمُوسِ، وَهِي الْحلف بتعمد الْكَذِبِ، فَهُوَ الْإِثْمُ، وَحُكْمُ الْمُنْعَقِدَةِ أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ، فَوَافَقَ مَالِكًا فِي الْغَمُوسِ وَخَالَفَهُ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ اللَّغْوِ، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست