responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 378
بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، شَاعَ إِطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَى كُلِّ حَلِفٍ، جَرْيًا عَلَى غَالِبِ الْأَحْوَالِ فَأُطْلِقَتِ الْيَمِينُ عَلَى قَسَمِ الْمَرْءِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ دُونَ عَهْدٍ وَلَا حَلِفٍ.
وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَلِفِ يَرْجِعُ إِلَى قَصْدِ أَنْ يُشْهِدَ الْإِنْسَانُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى صِدْقِهِ فِي خَبَرٍ أَوْ وَعْدٍ أَوْ تَعْلِيق، وَلذَلِك يَقُوله: بِاللَّهِ أَيْ أُخْبِرُ مُتَلَبِّسًا بِإِشْهَادِ اللَّهِ، أَوْ أَعِدُ أَوْ أُعَلِّقُ مُتَلَبِّسًا بِإِشْهَادِ اللَّهِ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَضَمَّنَ الْيَمِينُ مَعْنًى قَوِيًّا فِي الصِّدْقِ، لِأَنَّ مَنْ أَشْهَدَ بِاللَّهِ عَلَى بَاطِلٍ فَقَدِ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْيَمِينِ إِشْهَادُ اللَّهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ [الْبَقَرَة: 204] كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُ الْعَرَبِ يَعْلَمُ اللَّهُ فِي مَقَامِ الْحَلِفِ الْمُغَلَّظِ، وَلِأَجْلِهِ كَانَتِ الْبَاءُ هِيَ أَصْلَ حُرُوفِ الْقَسَمِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمُلَابَسَةِ فِي أَصْلِ مَعَانِيهَا، وَكَانَتِ الْوَاوُ وَالتَّاءُ لَاحِقَتَيْنِ بِهَا فِي الْقَسَمِ الْإِنْشَائِيِّ دُونَ الِاسْتِعْطَافِيِّ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ إِنْ كَانَتِ الْعُرْضَةُ بِمَعْنَى الْحَاجِزِ نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَجْعَلُوا اسْمَ اللَّهِ حَائِلًا مَعْنَوِيًّا دُونَ فِعْلِ مَا حَلَفُوا عَلَى تَرْكِهِ مِنِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَهِي مُتَعَلقَة بتجعلوا، وأَنْ تَبَرُّوا مُتَعَلق بعرضة عَلَى حَذْفِ اللَّامِ الْجَارَّةِ، الْمُطَّرِدِ حَذْفُهَا مَعَ أَنْ، أَيْ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ لِأَجْلِ أَنْ حَلَفْتُمْ بِهِ عُرْضَةً حَاجِزًا عَنْ فِعْلِ الْبِرِّ وَالْإِصْلَاحِ وَالتَّقْوَى، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَهْيٌ عَنِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْيَمِينِ إِذَا كَانَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا تَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ خَيْرٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ بِحَسَبِ حكم الشَّيْء الْمَحْلُوف عَلَى تَرْكِهِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ التَّحَرُّزُ حِينَ الْحَلِفِ وَعَدَمُ التَّسَرُّعِ لِلْأَيْمَانِ، إِذْ لَا يَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لِكَثْرَةِ التَّرَخُّصِ.
وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَغْضَبُ فَتُقْسِمُ بِاللَّهِ وَبِآلِهَتِهَا وَبِآبَائِهَا، عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ شَيْءٍ، لِيَسُدُّوا بِالْيَمِينِ بَابَ الْمُرَاجَعَةِ أَوِ النَّدَامَةِ.
وَفِي «الْكَشَّافِ» «كَانَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى تَرْكِ الْخَيْرِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، أَوْ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، أَوْ إِحْسَانٍ، ثُمَّ يَقُولُ أَخَافُ أَنْ أَحْنَثَ فِي يَمِينِي، فَيَتْرُكُ فِعْلَ الْبِرِّ فَتَكُونُ الْآيَةُ وَارِدَةً لِإِصْلَاحِ خَلَلٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا حَلِفُ أَبِي بَكْرٍ أَلَّا يُنْفِقَ عَلَى ابْنِ خَالَتِهِ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ. وَلَا تَظْهَرُ لِهَذَا الْقَوْلِ مُنَاسَبَةٌ بِمَوْقِعِ الْآيَةِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَلِفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ أَلَّا يُكَلِّمَ خَتَنَهُ بَشِيرَ بْنَ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيَّ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 378
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست