responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 350
النَّرْدَ، وَعَنْ عَلِيٍّ: النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ مِنَ الْمَيْسِرِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا خَلَا الشطرنج عَن الرِّهَانِ وَاللِّسَانِ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالصَّلَاةِ عَنِ النِّسْيَانِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمَيْسِرِ لِأَنَّ الْمَيْسِرَ مَا يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ وَأَخْذَهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ وَجِيهٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْفِقْهِ.
وَالنَّاسُ مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِوَاسِطَةِ (فِي) الْمُفِيدَةِ الظَّرْفِيَّةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَاد النَّاس ينتقع بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، بَلِ الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ هَاتِهِ الْمَنَافِعَ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَنْتَفِعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [النَّحْل: 69] . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ طَائِفَةً لِعَدَمِ صُلُوحِيَّةِ الْ هُنَا لِلْعَهْدِ وَلَوْ أُرِيدَ طَائِفَةٌ لَمَا صَحَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ وَمَنَافِعُ الشَّارِبِينَ وَالْيَاسِرِينَ كَمَا قَالَ:
وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [مُحَمَّد: 15] .
فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْوَجْهُ فِي ذِكْرِ مَنَافِعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ التَّحْرِيمِ وَالتَّمْهِيدَ إِلَيْهِ يَقْتَضِي تَنَاسِيَ الْمَنَافِعِ، قُلْتُ إِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَازِلَةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْمَنَافِعِ هِيَ بَيَانُ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ لِيَعْتَادَ الْمُسْلِمُونَ مُرَاعَاةَ عِلَلِ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا الدِّينَ دِينًا دَائِمًا وَأَوْدَعَهُ أُمَّةً أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مُشَرِّعُونَ لِمُخْتَلِفِ وَمُتَجَدِّدِ الْحَوَادِثِ، فَلِذَلِكَ أَشَارَ لِعِلَلِ الْأَحْكَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات: 12] وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَخْصِيصُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَلِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي مَوَاضِعِ خَفَاءِ الْعِلَلِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدِ اشْتُهِرَ بَيْنَهُمْ نَفْعُهَا، وَالْمَيْسِرَ قَدِ اتَّخَذُوهُ ذَرِيعَةً لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ فَوَجَبَ بَيَانُ مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَفَاسِدِ إِنْبَاءً بِحِكْمَةِ التَّحْرِيمِ، وَفَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَأْنِيسُ الْمُكَلَّفِينَ فِطَامِهِمْ عَنْ أَكْبَرِ لَذَائِذِهِمْ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ رَبَّهُمْ لَا يُرِيدُ إِلَّا صَلَاحَهُمْ دُونَ نِكَايَتِهِمْ كَقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: 216] وَقَوْلِهِ:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْبَقَرَة: 183] . وَهُنَالِكَ أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ عُذْرُهُمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ حَتَّى لَا يَسْتَكِينُوا لِهَذَا التَّحْرِيمِ وَالتَّنْدِيدِ عَلَى الْمَفَاسِدِ كَقَوْلِهِ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ [الْبَقَرَة: 187] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست