responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 349
وَيُسَمُّونَ هَذَا الْإِتْمَامَ بِمَثْنَى الْأَيَادِي كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ مِنْهُ تَكْرِيرَ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الرِّبْحِ فَالْأَيَادِي بِمَعْنَى النِّعَمِ، وَكَانُوا يُعْطُونَ أَجْرَ الرَّقِيبِ وَالْحُرْضَةِ وَالْجَزَّارِ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ فَأَمَّا أَجْرُ الرَّقِيبِ فَيُعْطَاهُ مِنْ أَوَّلِ الْقِسْمَةِ وَأَفْضَلِ اللَّحْمِ وَيُسَمُّونَهُ بَدْءًا، وَأَمَّا الْحُرْضَةُ فَيُعْطَى لَحْمًا دُونَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْجَزَّارُ فَيُعْطَى مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْقَسْمِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ نِصْفِ عَظْمٍ وَيُسَمُّونَهُ الرِّيمَ.
وَمَنْ يَحْضُرُ الْمَيْسِرَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَيَاسِرِينَ يُسَمَّوْنَ الْأَعْرَانَ جَمْعَ عَرِنٍ بِوَزْنِ كَتِفٍ وَهُمْ يَحْضُرُونَ طَمَعًا فِي اللَّحْمِ، وَالَّذِي لَا يُحِبُّ الْمَيْسِرَ وَلَا يَحْضُرُهُ لِفَقْرِهِ سُمِّيَ الْبَرِمَ بِالتَّحْرِيكِ.
وَأَصْلُ الْمَقْصِدِ مِنَ الْمَيْسِرِ هُوَ الْمَقْصِدُ مِنِ الْقِمَارِ كُلِّهِ وَهُوَ الرِّبْحُ وَاللَّهْوُ يَدُلُّ لِذَلِكَ تَمَدُّحُهُمْ وَتُفَاخُرُهُمْ بِإِعْطَاءِ رِبْحِ الْمَيْسِرِ لِلْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْإِعْطَاءُ مُطَّرِدًا لِكُلِّ مَنْ يَلْعَبُ الْمَيْسِرَ لَمَا كَانَ تَمَدُّحٌ بِهِ قَالَ الْأَعْشَى:
الْمُطْعِمُو الضَّيْفِ إِذَا مَا شَتَوْا ... وَالْجَاعِلُو الْقُوتَ عَلَى الْيَاسِرِ
ثُمَّ إِنَّ كِرَامَهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُظْهِرُوا التَّرَفُّعَ عَنِ الطَّمَعِ فِي مَالِ الْقِمَارِ فَصَارُوا يَجْعَلُونَ الرِّبْحَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى وَمَنْ يُلِمُّ بِسَاحَتِهِمْ مِنْ أَضْيَافِهِمْ وَجِيرَتِهِمْ، قَالَ لَبِيدٌ:
أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ ... بُذِلَتْ لِجِيرَانِ الْجَمِيعِ لِحَامُهَا

فَالضَّيْفُ وَالْجَارُ الْجَنِيبُ كَأَنَّمَا ... هَبَطَا تَبَالَةَ مُخْصِبًا أَهْضَامُهَا
فَصَارَ الْمَيْسِرُ عِنْدَهُمْ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْيَاتِ لَبِيدٍ، وَقَالَ عَنْتَرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ:
رَبِذٍ يَدَاهُ بِالْقِدَاحِ إِذَا شَتَا ... هَتَّاكِ غَايَاتِ التِّجَارِ مُلَوِّحِ
أَيْ خَفِيفِ الْيَدِ فِي الْمَيْسِرِ لِكَثْرَةِ مَا لَعِبَ الْمَيْسِرَ فِي الشِّتَاءِ لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ، وَقَالَ عُمَيْرُ ابْن الْجَعْدِ:
يَسِرٍ إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَمُطْعِمٍ ... لِلَّحْمِ غَيْرِ كُبُنَّةٍ عُلْفُوفِ
الْكُبُنَّةُ بِضَمَّتَيْنِ الْمُنْقَبِضُ الْقَلِيلُ الْمَعْرُوفِ وَالْعُلْفُوفُ كَعُصْفُورٍ الْجَافِي.
فَالْمَنَافِعُ فِي الْمَيْسِرِ خَاصَّةٌ وَعَامَّةٌ وَهِيَ دُنْيَوِيَّةٌ كُلُّهَا، وَالْإِثْمُ الَّذِي فِيهِ هُوَ مَا يُوقِعُهُ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَمِنْ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ وَالِاعْتِيَادِ بِالْكَسَلِ وَالْبِطَالَةِ وَاللَّهْوِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَعَنِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَعَنِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا بِهِ قِوَامُ الْمَدَنِيَّةِ وَتِلْكَ آثَامٌ لَهَا آثَارُهَا الضَّارَّةُ فِي الْآخِرَةِ، وَلِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ بِالْمَيْسِرِ كُلَّ لَعِبٍ فِيهِ قِمَارٌ كَالنَّرْدِ،
وَعَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِيَّاكُمْ وَهَاتَيْنِ الْكَعْبَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ مَيْسِرِ الْعَجَمِ»
يُرِيدُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 349
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست