responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 342
يُخْتَصُّ شَرَابُ الْعِنَبِ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ أَمَّا مَا عَدَاهُ فَلَا يُحَرَّمُ مِنْهُ إِلَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، هَكَذَا يَنْقُلُ الْمُخَالِفُونَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدِيمِ يَنْقُلُونَ ذَلِكَ مُطْلَقًا حَتَّى رُبَّمَا أَوْهَمَ نَقْلُهُمْ أَنَّهُ لَا يَرَى عَلَى مَنْ سَكِرَ بِغَيْرِ الْخَمْرِ شَيْئًا، وَيَزِيدُ ذَلِكَ إِيهَامًا قَاعِدَةُ أَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ شَرْعًا لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ وَرُبَّمَا عَضَّدُوا ذَلِكَ بِمَنْقُولِ قَصَصٍ وَحَوَادِثَ كَقَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ:
أَبَاحَ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ ... وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ
وَلَكِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ الْمُسْكِرَةَ قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ شُرْبُهُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ: (الْخمر) وَهُوَ النيء مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، (وَالطِّلَاءُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى صَارَ مُسْكِرًا، (وَالسَّكَرُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَاف وَهُوَ النيء مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ أَيْ مِنَ الْمَاءِ الْحَارِّ الْمَصْبُوبِ عَلَى الرُّطَبِ ثُمَّ يَصِيرُ مُسْكِرًا، (والنقيع) وَهُوَ النيء مِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَنَجِسَةُ الْعَيْنِ لَكِنَّ الْخَمْرَ يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا وَيُحَدُّ شَارِبُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْهَا، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَلَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهَا إِلَّا إِذَا سَكِرَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي الْأَشْرِبَةُ الْحَلَالُ شُرْبُهَا وَهِيَ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ وَلَوْ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَنَبِيذُ الْخَلِيطَيْنِ مِنْهُمَا إِذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ طُبِخَ أَمْ لَمْ يُطْبَخْ. وَالْمُثَلَّثُ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحِلُّ شُرْبُهَا إِذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ اللَّهْوُ وَالطَّرَبُ بَلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ (كَذَا) أَوْ إِصْلَاحُ هَضْمِ الطَّعَامِ أَوِ التَّدَاوِي وَإِلَّا حُرِّمَتْ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهَا إِلَّا إِذَا سَكِرَ.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ دَلِيلُهُ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ لَمْ يَبْقَ فِيهَا الْإِسْكَارُ الْمُعْتَادُ، وَأَمَّا
الْحَدُّ فَلَا وَجْهَ لِلتَّفْصِيلِ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى السُّكْرِ فَالْجَمِيعُ سَوَاءٌ فِي الْإِسْكَارِ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ أَلَّا يَكُونَ الْحَدُّ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ السُّكْرِ وَلَيْسَ فِي الْآثَارِ مَا يَشْهَدُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَلَا أَرَى أَنَّ قَاعِدَةَ سَدِّ الذَّرِيعَةِ تَبْلُغُ إِلَى حَدِّ مُرْتَكِبِ الذَّرِيعَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمُتَذَرَّعِ إِلَيْهِ. وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ بِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ شَرِبَهَا الصَّحَابَةُ هُوَ تَمَسُّكٌ أَوْهَى مِمَّا قَبْلَهُ، إِذِ الصَّحَابَةُ يُحَاشُونَ عَنْ شُرْبِ الْمُسْكِرَاتِ وَإِنَّمَا شَرِبُوا الْأَنْبِذَةَ قَبْلَ اخْتِمَارِهَا، وَاسْمُ النَّبِيذِ يُطْلَقُ عَلَى الْحُلْوِ وَالْمُخْتَمِرِ فَصَارَ اللَّفْظُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، وَقَدْ خَالَفَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِمَامَهُ فِي ذَلِكَ فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست