responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 332
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها.
اعْتِرَاضٌ ثَانٍ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى الِاعْتِرَاضِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْمَقْصِدُ مِنْهُ التَّحْذِيرُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حِرْصَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَدِّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَقَّبَهُ بِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَصْدُرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَعْقَبَهُ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَجِيءَ بِصِيغَةِ يَرْتَدِدْ وَهِيَ صِيغَةُ مُطَاوَعَةٍ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ رُجُوعَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِنْ قُدِّرَ حُصُولُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ مُحَاوَلَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إِلَّا بِعَنَاءٍ، وَلَمْ يُلَاحَظِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي هُنَا إِذْ لَا اعْتِبَارَ بِالدِّينِ الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا نِيطَ الْحُكْمُ بِالِارْتِدَادِ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَيِّ دِينٍ وَمِنْ يَوْمِئِذٍ صَارَ اسْمُ الرِّدَّةِ لَقَبًا شَرْعِيًّا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ دِينِ
الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْخُرُوجِ رُجُوعٌ إِلَى دِينٍ كَانَ عَلَيْهِ هَذَا الْخَارِجُ.
وَقَوْلُهُ (فَيَمُتْ) مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ فَهُوَ كَشَرْطٍ ثَانٍ.
وَفِعْلُ حَبِطَ مِنْ بَابِ سَمِعَ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ، قَالَ اللُّغَوِيُّونَ أَصْلُهُ مِنَ الْحَبَطِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ انْتِفَاخٌ فِي بُطُونِ الْإِبِلِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى إِبْطَالِ الْأَعْمَالِ تَمْثِيلٌ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَأْكُلُ الْخَضِرَ شَهْوَةً لِلشِّبَعِ فَيَئُولُ عَلَيْهَا بِالْمَوْتِ، فَشَبَّهَ حَالَ مَنْ عَمِلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لِنَفْعِهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَمْ يَجِدْ لَهَا أَثَرًا بِالْمَاشِيَةِ الَّتِي أَكَلَتْ حَتَّى أَصَابَهَا الْحَبَطُ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقَيَّدِ الْأَعْمَالُ بِالصَّالِحَاتِ لِظُهُورِ ذَلِكَ التَّمْثِيلِ.
وَحَبَطُ الْأَعْمَالِ: زَوَالِ آثَارِهَا الْمَجْعُولَةِ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا شَرْعًا، فَيَشْمَلُ آثَارَهَا فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ سِرُّ قَوْلِهِ: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.
فَالْآثَارُ الَّتِي فِي الدُّنْيَا هِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ خَصَائِصِ الْمُسْلِمِينَ وَأَوَّلُهَا آثَارُ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ مِنْ حُرْمَةِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَآثَارُ الْعِبَادَاتِ وَفَضَائِلُ الْمُسْلِمِينَ بِالْهِجْرَةِ وَالْأُخُوَّةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَوَلَاءُ الْإِسْلَامِ وَآثَارُ الْحُقُوقِ مثل حق الْمُسلمين فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالْعَطَاءِ وَحُقُوقِ التَّوَارُثِ وَالتَّزْوِيجِ فَالْوِلَايَاتِ وَالْعَدَالَةِ وَمَا ضَمِنَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النَّحْل: 97] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 332
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست