responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 331
وَ (أَكْبَرُ) أَيْ أَشَدُّ كِبَرًا أَيْ قُوَّةً فِي الْمَحَارِمِ، أَيْ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَبِيرٌ.
وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا.
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دَعَا إِلَى الِاعْتِرَاضِ بِهَا مُنَاسَبَةُ قَوْلِهِ: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ صُدُورِ الْفِتْنَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ الْفِتْنَةُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ الَّتِي تَدَاوَلَهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ. إِذِ الْقِتَالُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى وَلَيْسَ الْقَتْلُ إِلَّا بَعْضَ أَحْوَالِ الْقِتَالِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الْحَج: 39] فَسَمَّى فِعْلَ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُقَاتَلَةً وَسَمَّى الْمُسْلِمِينَ مُقَاتَلِينَ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَفِيهِ إِعْلَامٌ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مُضْمِرُونَ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ وَمُسْتَعِدُّونَ لَهُ وَإِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنْهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يُقَاسُونَ آثَارَ سِنِي جَدْبٍ فَقَوْلُهُ لَا يَزالُونَ وَإِنْ أَشْعَرَ أَنَّ قِتَالَهُمْ مَوْجُودٌ فَالْمُرَادُ بِهِ أَسْبَابُ الْقِتَالِ، وَهُوَ الْأَذَى وَإِضْمَارُ الْقِتَالِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ إِنْ شَرَعُوا فِيهِ لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ صَرِيحَ لَا يَزَالُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا يَدُومُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَ (حَتَّى) لِلْغَايَةِ وَهِيَ هُنَا غَايَةٌ تَعْلِيلِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِتْنَتَهُمْ وَقِتَالَهُمْ يَدُومُ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ غَرَضُهُمْ وَهُوَ أَنْ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ.
وَقَوْلُهُ: إِنِ اسْتَطاعُوا تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، فَمَوْقِعُ هَذَا الشَّرْطِ مَوْقِعُ الِاحْتِرَاسِ مِمَّا قَدْ تُوهِمُهُ الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَلِهَذَا جَاءَ الشَّرْطُ بِحَرْفِ (إِنْ) الْمُشْعِرِ بِأَنَّ شَرْطَهُ مَرْجُوٌّ عَدَمُ وُقُوعِهِ.
وَالرَّدُّ: الصَّرْفُ عَنْ شَيْءٍ وَالْإِرْجَاعُ إِلَى مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ وَإِلَى مَا زَادَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِإِلَى وَعَنْ، وَقَدْ حُذِفَ هُنَا أَحَدُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِوَاسِطَةِ إِلَى لِظُهُورِ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَهُمْ لِيَرُدُّوهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الشِّرْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ دِينٍ إِذَا اعْتَقَدُوا صِحَّةَ دِينِهِمْ حَرَصُوا عَلَى إِدْخَالِ النَّاسِ فِيهِ قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [الْبَقَرَة: 120] ، وَقَالَ: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا [النِّسَاء: 89] .
وَتَعْلِيقُ الشَّرْطِ بِإِنَّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اسْتِطَاعَتَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ فِي آحَادِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدُ الْحُصُولِ لِقُوَّةِ إِيمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ مُحَاوَلَةُ الْمُشْرِكِينَ رَدَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنَاءً بَاطِلًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 331
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست