responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 31
فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِحْضَارُ الذَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِالْحِسِّ فَاسْتِحْضَارُهَا يَكُونُ بِشَيْءٍ لَهُ انْتِسَابٌ إِلَيْهَا مُبَاشَرَةً كَالدِّيَارِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَالْبَرْقِ وَالنَّسِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالشَّبَهِ كَالْغَزَالِ عِنْدَ الْمُحِبِّينَ، وَقَدِيمًا مَا اسْتَهْتَرَتِ الشُّعَرَاءُ بِآثَارِ الْأَحِبَّةِ كَالْأَطْلَالِ فِي قَوْلِهِ:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ

وَأَقْوَالِهِمْ فِي الْبَرْقِ وَالرِّيحِ، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
دَعَانِي الْهَوَى مِنْ أَهْلِ وِدِّي وَجِيرَتِي ... بِذِي الطَّيِّسَيْنِ فَالْتَفَتُّ وَرَائِيَا
وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ الْحِسُّ فَوَسِيلَةُ اسْتِحْضَارِ ذَاتِهِ هِيَ اسْتِحْضَارُ مَا فِيهِ مَزِيدُ دَلَالَةٍ عَلَيْهِ تَعَالَى. لَا جَرَمَ أَنَّ أَوْلَى الْمَخْلُوقَاتِ بِأَنْ يُجْعَلَ وَسِيلَةً لِاسْتِحْضَارِ الْخَالِقِ فِي نَفْسِ عَبْدِهِ هِيَ الْمَخْلُوقَاتُ الَّتِي كَانَ وُجُودُهَا لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مَعَ تَجَرُّدِهَا عَنْ كُلِّ مَا يُوهِمُ أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالْعِبَادَةِ وَتِلْكَ هِيَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَرَّدَهَا مِنْ أَنْ يَضَعَ فِيهَا شَيْئًا يُوهِمُ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْعِبَادَةِ، وَلَمْ يُسَمِّهَا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَنَى الْكَعْبَةَ أَوَّلَ بَيْتٍ، وَبَنَى مَسْجِدًا فِي مَكَانِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَبَنَى مَسَاجِدَ أُخْرَى وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي التَّوْرَاةِ بِعُنْوَانِ مَذَابِحَ، فَقَدْ بنت الصابئة وَأهل الشّرك بَعْدَ نُوحٍ هَيَاكِلَ لِتَمْجِيدِ الْأَوْثَانِ وَتَهْوِيلِ شَأْنِهَا فِي النُّفُوسِ فَأَضَافُوهَا إِلَى أَسْمَاءِ أُنَاسٍ مِثْلِ وَدٍّ وَسُوَاعٍ، أَوْ إِلَى أَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ، وَذَكَرَ الْمَسْعُودِيُّ فِي «مُرُوجِ الذَّهَبِ» عِدَّةً مِنَ الْهَيَاكِلِ الَّتِي أُقِيمَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لِهَذَا الشَّأْنِ وَمِنْهَا هَيْكَلُ سَنْدُوسَابَ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَهَيْكَلُ مَصْلِينَا فِي جِهَة الرقة بناه الصَّابِئَةُ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ آزَرُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مِنْ
سَدَنَتِهِ، وَقِيلَ أَنَّ عَادًا بَنَوْا هَيَاكِلَ مِنْهَا جِلِّقُ هَيْكَلُ بِلَادِ الشَّامِ.
فَإِذَا اسْتَقْبَلَ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي أُقِيمَتْ لِمُنَاقِضَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ كَانَ مِنَ اسْتِحْضَارِ الْخَالِقِ بِمَا هُوَ أَشَدُّ إِضَافَةً إِلَيْهِ، بَيْدَ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ عَلَى كَثْرَتِهَا لَا تَتَفَاضَلُ إِلَّا بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ مِنْ إِقَامَتِهَا، وَبِكَوْنِ إِقَامَتِهَا لِذَلِكَ وَبِأَسْبَقِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فِي هَذَا الْغَرَضِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ كُلَّ هَذِهِ الْمَعَانِي ثَلَاثَةً فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَسْبَقِيَّةُ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْهَا قَدِ امْتَازَ عَلَى اللَّاحِقِ بِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي دَلَّ مُؤَسِّسُ ذَلِكَ اللَّاحِقِ عَلَى تَأْسِيسِهِ قَالَ تَعَالَى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التَّوْبَة: 108] ، وَقَالَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست