responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 30
وَقَوْلُهُ: وَحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ تَنْصِيصٌ عَلَى تَعْمِيمِ حُكْمِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِعُمُومِ ضَمِيرَيْ كُنْتُمْ ووُجُوهَكُمْ لِوُقُوعِهِمَا فِي سِيَاقِ عُمُومِ الشَّرْطِ بِحَيْثُمَا وَحِينَمَا لِتَعْمِيمِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ خَاصٌّ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ خطاب للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَضَى الْحَالُ تَخْصِيصَهُ بِالْخِطَابِ بِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ لِيَكُونَ تَبْشِيرًا لَهُ وَيَعْلَمَ أَنَّ أُمَّتَهُ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّشْرِيعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَعُمَّ الرَّسُولَ وَأَمَتَّهُ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا، وَلَمَّا خِيفَ إِيهَامُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ خَاصًّا بِهِ أَوْ أَنْ تُجْزِئَ فِيهِ الْمَرَّةُ أَوْ بَعْضُ الْجِهَاتِ كَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أُرِيدَ التَّعْمِيمُ فِي الْمُكَلَّفِينَ وَفِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ لَكِنْ كَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ وَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فَزِيدَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعْمِيمِ الْأَمْكِنَةِ تَصْرِيحًا وَتَأْكِيدًا لِدَلَالَةِ الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ إِضَافَةِ شَطْرَ إِلَى ضَمِيرِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ لِأَنَّ شَطْرَ نَكِرَةٌ أَشْبَهَتِ الْجَمْعَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ فَكَانَتْ إِضَافَتُهَا كَإِضَافَةِ الْجُمُوعِ، وَتَأْكِيدًا لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ التَّشْرِيعِيِّ عَلَى التَّكْرَارِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ هَذَا الْحُكْمِ فَكَأَنَّهُ أُفِيدَ مَرَّتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَأَحْوَالِهِمْ أُولَاهُمَا إِجْمَالِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ تَفْصِيلِيَّةٌ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ هَذَا الِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ، ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الصَّلَاةِ الْعِبَادَةُ وَالْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِمِقْدَارِ اسْتِحْضَارِ الْمَعْبُودِ يَقْوَى الْخُضُوعُ لَهُ فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ الطَّيِّبَةُ فِي إِخْلَاصِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَإِقْبَالِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ وَذَلِكَ مِلَاكُ الِامْتِثَالِ
وَالِاجْتِنَابِ. وَلِهَذَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
، وَلَمَّا تَنَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ الْحِسُّ تَعَيَّنَ لِمُحَاوِلِ اسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مُذَكِّرًا بِهِ مِنْ شَيْءٍ لَهُ انْتِسَابٌ خَاصٌّ إِلَيْهِ، قَالَ فَخْرُ الدِّينِ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْإِنْسَانِ قُوَّةً عَقْلِيَّةً مُدْرِكَةً لِلْمُجَرَّدَاتِ وَالْمَعْقُولَاتِ، وَقُوَّةً خَيَالِيَّةً مُتَصَرِّفَةً فِي عَالَمِ الْأَجْسَامِ، وَقَلَّمَا تَنْفَكُّ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ عَنْ مُقَارَنَةِ الْقُوَّةِ الْخَيَالِيَّةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ اسْتِحْضَارَ أَمْرٍ عَقْلِيٍّ مُجَرَّدٍ وَجَبَ أَنْ يَضَعَ لَهُ صُورَةً خَيَالِيَّةً يُحِسُّهَا حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ الصُّورَةُ الْخَيَالِيَّةُ مُعِينَةً عَلَى إِدْرَاكِ تِلْكَ الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ إِذَا وَصَلَ إِلَى مَجْلِسِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِوَجْهِهِ وَيُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ وَفِي الْخِدْمَةِ لَهُ، فَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ يَجْرِي مَجْرَى كَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا لِلْمَلِكِ، وَالْقُرْآنُ وَالتَّسْبِيحَاتُ تَجْرِي مَجْرَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يَجْرِي مَجْرَى الْخِدْمَةِ) اهـ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 30
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست