responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 247
فِي «تَفْسِيرِهِ» «وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ عَوِيصَةٌ مَا رَأَيْتُ مَنْ يَفْهَمُهَا مِنَ الشُّيُوخِ إِلَّا ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ الْحُبَابِ وَمَا قَصَّرَ الطَّيْبِيُّ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي كَشَفَ الْقِنَاعَ عَنْهَا هُنَا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ: 77] يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَكَلَامُهُ فِي تِلْكَ الْآيَةِ هُوَ الَّذِي حَمَلَ التُّونِسِيِّينَ عَلَى نَسْخِهِ لِأَنِّي كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا قَدِمَ الْوَاصِلُ بِكِتَابِ الطَّيْبِيِّ فَقُلْتُ لَهُ: نَنْظُرُ مَا قَالَ: فِي أَشَدَّ خَشْيَةً فَنَظَّرْنَاهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا قَالَ النَّاسُ فَحَضَّ الشَّيْخُ إِذْ ذَاكَ على نسخهَا اهـ» .
وَقَوْلُهُ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إِلَخ، الْفَاء للتفصيل لِأَن مَا بعْدهَا تَقْسِيم لفريقين من النَّاس المخاطبين بقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ إِلَخْ فَقَدْ عَلِمَ السَّامِعُونَ أَنَّ الذِّكْرَ يَشْمَلُ الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَخَاصَّةً فِي مَظَانِّ الْإِجَابَةِ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، لِأَنَّ الْقَاصِدِينَ لِتِلْكَ الْبِقَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ مَا يَقْصِدُونَ إِلَّا تَيَمُّنًا وَرَجَاءً فَكَانَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا وَادْعُوهُ، ثُمَّ أُرِيدُ تَفْصِيلُ الدَّاعِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَفَاوُتِ الَّذِينَ تَجْمَعُهُمْ تِلْكَ الْمَنَاسِكُ، وَإِنَّمَا لم يفعل الذِّكْرَ الْأَعَمَّ مِنَ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي لَيْسَ بِدُعَاءٍ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَمْجِيدُ اللَّهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى
تَفْصِيلِهِ تَفْصِيلًا يُنَبِّهُ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، وَالْمُقَسَّمُ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعُ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْجِيرِ الْحَجِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِآيَةِ بَرَاءَةَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ هُمُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُهْمِلُونَ الدُّعَاءَ لِخَيْرِ الْآخِرَةِ مَا بَلَغَتْ بِهِمُ الْغَفْلَةُ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ التَّعْرِيضُ بِذَمِّ حَالَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: آتِنا تَرَكَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ مَا لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِبَيَانِهِ أَيْ أَعْطِنَا عَطَاءً فِي الدُّنْيَا، أَوْ يُقَدَّرُ الْمَفْعُولُ بِأَنَّهُ الْإِنْعَامُ أَوِ الْجَائِزَةُ أَوْ مَحْذُوفٌ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: حَسَنَةً فِيمَا بَعْدُ، أَيْ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً.
و «الخلاق» بِفَتْحِ الْخَاءِ الْحَظُّ مِنَ الْخَيْرِ وَالنَّفِيسُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَاقَةِ وَهِيَ الْجَدَارَةُ، يُقَالُ خَلُقَ بِالشَّيْءِ بِضَمِّ اللَّامِ إِذَا كَانَ جَدِيرًا بِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الْجَدَارَةِ مُسْتَلْزِمًا نَفَاسَةَ مَا بِهِ الْجَدَارَةُ دَلَّ مَا اشْتُقَّ مِنْ مُرَادِفِهَا عَلَى النَّفَاسَةِ سَوَاءٌ قُيِّدَ بِالْمَجْرُورِ كَمَا هُنَا أَمْ أُطْلِقَ كَمَا
فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ خَلَاقَ لَهُ»
أَي من الْخَيْرِ وَقَوْلُ الْبُعَيْثِ بْنِ حُرَيْثٍ:
وَلَسْتُ وَإِنْ قُرِّبْتُ يَوْمًا بِبَائِعٍ ... خَلَاقِي وَلَا دِينِي ابْتِغَاءَ التَّحَبُّبِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست