responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 246
ذِكْرًا كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَنَصْبُ ذِكْراً يَظْهَرُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِأَشَدَّ، وَإِذْ قَدْ كَانَ (أَشَدَّ) وَصْفًا لِذِكْرٍ الْمُقَدَّرِ صَارَ مَآلُ التَّمْيِيزِ إِلَى أَنَّهُ تَمْيِيزُ الشَّيْءِ بِمُرَادِفِهِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْقَصْدَ مِنَ التَّمْيِيزِ الَّذِي هُوَ لِإِزَالَةِ الْإِبْهَامِ، إِلَّا أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا قِلَّةً لَا تُنَافِي الْفَصَاحَةَ اكْتِفَاءً بِاخْتِلَافِ صُورَةِ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ، مَعَ إِفَادَةِ التَّمْيِيزِ حِينَئِذٍ تَوْكِيدَ الْمُمَيَّزِ كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ أَشَحُّ النَّاسِ رَجُلًا، وَهُمَا خَيْرُ النَّاسِ اثْنَيْنِ، وَهَذَا مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ فِي «تَفْسِيرِهِ» ، قُلْتُ:
وَقَرِيبٌ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ تَمْيِيزِ (نِعْمَ) توكيدا فِي قَوْله جَرِيرٍ:
تَزَوُّدْ مِثْلَ زَادِ أَبِيكَ فِينَا ... فَنِعْمَ الزَّادُ زَادَ أَبِيكَ زَادَا
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ أَشَدَّ عَلَى الْحَال من (ذكر) الْمُوَالِي لَهُ وَأَنَّ أَصْلَ أَشَدَّ نَعْتٌ لَهُ وَكَانَ نَظْمُ الْكَلَامِ: أَوْ ذِكْرًا أَشَدَّ، فَقَدَّمَ النَّعْتَ فَصَارَ حَالًا، وَالدَّاعِي إِلَى تَقْدِيمِ النَّعْتِ حِينَئِذٍ هُوَ الِاهْتِمَامُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ أَشَدَّ، وَلِيَتَأَتَّى إِشْبَاعُ حَرْفِ الْفَاصِلَةِ عِنْدَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَلِيُبَاعِدْ مَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الذِّكْرِ الْمُتَكَرِّرَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ
(أَشَدَّ) مَعْطُوفًا على (ذكر) الْمَجْرُورِ بِالْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: كَذِكْرِكُمْ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيلَ مِنِ امْتِنَاعِ الْعَطْفِ عَلَى الْمَجْرُورِ بِدُونِ إِعَادَةِ الْجَارِّ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ النَّحْوِ، فَالْكُوفِيُّونَ لَا يَمْنَعُونَهُ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلَ ابْنِ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ [النِّسَاء: 1] بِجَرِّ الْأَرْحَامِ وَقَدْ أَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ: 77] أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْحَرْفِ بِدُونِ إِعَادَةِ الْجَارِّ، وَبَعْضُ النَّحْوِيِّينَ جَوَّزَهُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْجَرُّ بِالْإِضَافَةِ لَا بِالْحَرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي «إِيضَاحِ الْمُفَصَّلِ» ، وَعَلَيْهِ فَفَتْحَةُ أَشَدَّ نَائِبَةٌ عَنِ الْكَسْرَةِ، لِأَنَّ أَشَدَّ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَانْتِصَابُ ذِكْراً عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَالزَّجَّاجِ.
وَلِصَاحِبِ «الْكَشَّافِ» تَخْرِيجَانِ آخَرَانِ لِإِعْرَابِ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فِيهِمَا تَعَسُّفٌ دَعَاهُ إِلَيْهِمَا الْفِرَارُ مِنْ تَرَادُفِ التَّمْيِيزِ وَالْمُمَيَّزِ، وَلِابْنِ جِنِّي تَبَعًا لِشَيْخِهِ أَبِي عَلِيٍّ تَخْرِيجٌ آخَرُ، دَعَاهُ إِلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي دَعَا الزَّمَخْشَرِيُّ وَكَانَ تَخْرِيجُهُ أَشَدَّ تَعَسُّفًا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي «الِانْتِصَافِ» ، وَسَلَكَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ غَرَائِبِ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ، وَنَظِيرَتُهَا آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 246
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست