responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 157
هَذَا الصَّوْمَ فَإِنَّ فِي الِاقْتِدَاءِ بِالْغَيْرِ أُسْوَةً فِي الْمَصَاعِبِ، فَهَذِهِ فَائِدَةٌ لِمَنْ قَدْ يَسْتَعْظِمُ الصَّوْمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيَمْنَعُهُ وُجُودُهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيمَانِ وَلِمَنْ يَسْتَثْقِلُهُ مِنْ قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا الْمَعْنَى الضِّمْنِيَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ.
وَالْغَرَضُ الثَّالِثُ إِثَارَةُ الْعَزَائِمِ لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ الْفَرِيضَةِ حَتَّى لَا يَكُونُوا مُقَصِّرِينَ فِي قَبُولِ هَذَا الْفَرْضِ بَلْ لِيَأْخُذُوهُ بِقُوَّةٍ تَفُوقُ مَا أَدَّى بِهِ الْأُمَمُ السَّابِقَة.
وَوَقع وَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» قَوْلُهُ: «كَانَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كَيْفِيَّةِ صِيَامِنَا أَنَّهُ كَانَ مِثْلَ صِيَامِ مَنْ قَبْلَنَا وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَفِيهِ بَحْثٌ سَنَتَعَرَّضُ لَهُ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَة:
187] .
فَهَذِهِ الْآيَةُ شَرَعَتْ وُجُوبَ صِيَامِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ فِعْلَ كُتِبَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَابْتِدَاءُ نُزُولِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ تَقَدَّمَ عَامًا ثُمَّ فُرِضَ رَمَضَانُ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَامَ أَوَّلَ رَمَضَانَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنَ الْهِجْرَةِ وَيَكُونُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ قَدْ فُرِضَ عَامًا فَقَطْ وَهُوَ أَوَّلُ الْعَامِ الثَّانِي مِنَ الْهِجْرَة.
وَالْمرَاد بالذين مِنْ قَبْلِكُمْ من كَانَ قيل الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَائِعِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أَعْنِي الْيَهُودَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُهُمُ الْمُخَاطَبُونَ ويعرفون ظَاهر شؤونهم وَكَانُوا عَلَى اخْتِلَاطٍ بِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ لِلْيَهُودِ صَوْمٌ فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ صَوْمُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنْ سَنَتِهِمْ وَهُوَ الشَّهْرُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (تِسْرِي) يَبْتَدِئُ الصَّوْمُ مِنْ غُرُوبِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ إِلَى غُرُوبِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَهُوَ يَوْمُ كَفَّارَةِ الْخَطَايَا وَيُسَمُّونَهُ (كَبُّورَ) ثُمَّ إِنَّ أَحْبَارَهُمْ شَرَعُوا صَوْمَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أُخْرَى وَهِيَ الْأَيَّامُ الْأُوَلُ مِنَ الْأَشْهُرِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّابِعِ وَالْعَاشِرِ مِنْ سَنَتِهِمْ تِذْكَارًا لِوَقَائِعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَوْمَ يَوْمِ (بُورِيمْ) تِذْكَارًا لِنَجَاتِهِمْ مِنْ غَصْبِ مَلِكِ الْأَعَاجِمِ (أَحْشُويُرُوشَ) فِي وَاقِعَةِ (اسْتِيرَ) ، وَعِنْدَهُمْ صَوْمُ التَّطَوُّعِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» ، أَمَّا النَّصَارَى فَلَيْسَ فِي شَرِيعَتِهِمْ نَصٌّ عَلَى تَشْرِيعِ صَوْمٍ زَائِدٍ عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ صَوْمَ الْيَهُودِ وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» ، ثُمَّ إِنَّ رُهْبَانَهُمْ شَرَعُوا صَوْمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا اقْتِدَاءً بِالْمَسِيحِ إِذْ صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ بَعْثَتِهِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 157
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست