responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 156
فَالْمَأْمُورُ بِهِ صَوْمٌ مَعْرُوفٌ زِيدَتْ فِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا قُيُودُ تَحْدِيدِ أَحْوَالِهِ وَأَوْقَاتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [الْبَقَرَة: 187]- وَقَوْلِهِ- شَهْرُ رَمَضانَ [الْبَقَرَة: 185] الْآيَةِ، وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [الْبَقَرَة:
185] وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ إِجْمَالًا وَقَعَ تَفْصِيلُهُ فِي الْآيَاتِ بَعْدَهُ.
فَحَصَلَ فِي صِيَامِ الْإِسْلَامِ مَا يُخَالِفُ صِيَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي قُيُودِ مَاهِيَّةِ الصِّيَامِ وَكَيْفِيَّتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ صِيَامُنَا مُمَاثِلًا لِصِيَامِهِمْ تَمَامَ الْمُمَاثَلَةِ. فَقَوْلُهُ: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ مَاهِيَّة الصَّوْم لَا فِي الْكَيْفِيَّاتِ، وَالتَّشْبِيهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِبَعْضِ وُجُوهِ الْمُشَابَهَةِ وَهُوَ وَجْهُ الشَّبَهِ الْمُرَادُ فِي الْقَصْدِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ الْحَوَالَةَ فِي صِفَةِ الصَّوْمِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُمَمِ السَّابِقَة، وَلَكِن فيهم أَغْرَاضًا ثَلَاثَةً تَضَمَّنَهَا التَّشْبِيهُ:
أَحَدُهَا الِاهْتِمَامُ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَالتَّنْوِيهُ بِهَا لِأَنَّهَا شَرَعَهَا اللَّهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِمَنْ كَانُوا
قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَرَعَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اطِّرَادَ صَلَاحِهَا وَوَفْرَةَ ثَوَابِهَا. وَإِنْهَاضَ هِمَمِ الْمُسْلِمِينَ لِتَلَقِّي هَذِه الْعِبَادَة كي لَا يَتَمَيَّزَ بِهَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ. إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمُ» الْحَدِيثَ وَيُحِبُّونَ التَّفْضِيلَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَطْعَ تَفَاخُرِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ شَرِيعَةٍ قَالَ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ [الْأَنْعَام: 156، 157] . فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَغْتَبِطُونَ أَمْرَ الصَّوْمِ وَقَدْ كَانَ صَوْمُهُمُ الَّذِي صَامُوهُ وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ إِنَّمَا اقْتَدَوْا فِيهِ بِالْيَهُودِ، فَهُمْ فِي تَرَقُّبٍ إِلَى تَخْصِيصِهِمْ مِنَ اللَّهِ بِصَوْمٍ أُنُفٍ، فَهَذِهِ فَائِدَةُ التَّشْبِيهِ لِأَهْلِ الْهِمَمِ من الْمُسلمين إِذا أَلْحَقَهُمُ اللَّهُ بِصَالِحِ الْأُمَمِ فِي الشَّرَائِعِ الْعَائِدَةِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ [المطففين: 26] .
وَالْغَرَضُ الثَّانِي أَنَّ فِي التَّشْبِيهِ بِالسَّابِقِينَ تَهْوِينًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ أَنْ يَسْتَثْقِلُوا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست