responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 149
وَلِابْنِهِ أَنْمَارَ بِالْحِمَارِ، وَلِابْنِهِ إِيَادٍ بِالْخَادِمِ، وَجَعَلَ الْقِسْمَةَ فِي ذَلِكَ لِلْأَفْعَى الْجُرْهُمِيِّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُوصُونَ لِلْأَبَاعِدِ طَلَبًا لِلْفَخْرِ وَيَتْرُكُونَ الْأَقْرَبِينَ فِي الْفَقْرِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْعَدَاوَةِ وَالشَّنَآنِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي إِيجَابِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا ثَبَتَ بِهَا حُكْمُ وُجُوبِ الْإِيصَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَقَدْ وَقَّتَ الْوُجُوبَ بِوَقْتِ حُضُورِ الْمَوْتِ وَيَلْحَقُ بِهِ وَقْتُ تَوَقُّعِ الْمَوْتِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمِقْدَارَ الْمُوصَّى بِهِ وَقَدْ حَرَّضَتِ السُّنَّةُ عَلَى إِعْدَادِ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الصِّحَّةِ
بِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ.
وَالْآيَةُ تُشْعِرُ بِتَفْوِيضِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ الْمُوَصَّى بِهِ إِلَى مَا يَرَاهُ الْمُوصِي، وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ بِقَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ فَتَقَرَّرَ حُكْمُ الْإِيصَاءِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِغَيْرِ الْأَبْنَاءِ مِنَ الْقَرَابَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْأَبْنَاءُ، ثُمَّ إِنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ نَسْخًا مُجْمَلًا
فَبَيَّنَتْ مِيرَاثَ كُلِّ قَرِيبٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَبْقَ حَقُّهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِيصَاءِ الْمَيِّتِ لَهُ بَلْ صَارَ حَقُّهُ ثَابِتًا مُعَيَّنًا رِضِيَ الْمَيِّتُ أَمْ كَرِهَ، فَيَكُونُ تَقَرُّرُ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ اسْتِئْنَاسًا لِمَشْرُوعِيَّةِ فَرَائِضِ الْمِيرَاثِ، وَلِذَلِكَ صَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْفَرَائِضِ بِقَوْلِهِ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النِّسَاء: 11] فَجَعَلَهَا وَصِيَّةَ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ إِبْطَالًا لِلْمِنَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُوصِي.
وَبِالْفَرَائِضِ نُسِخَ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَبَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ مَنْدُوبَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ إِذَا نُسِخَ بَقِيَ النَّدْبُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ النَّظَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيءُ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيءُ لَا أَعْقِلُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَتْ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النِّسَاء: 11] الْآيَة اهـ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آخِرَ عَهْدٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْوَصَايَا سُؤَالُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ إِلَخْ.
وَقِيلَ نُسِخَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ فَصَارَتْ مَمْنُوعَةً قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمٍ وَهُوَ شُذُوذٌ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست