responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 162
وَزَادَ نُوحٌ قَوْلَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ: وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ فِي سُورَةِ هُودٍ [31] .
وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمَوْصُوفُ هُوَ حِسابُهُمْ وَالصِّفَةُ هِيَ عَلى رَبِّي، لِأَنَّ الْمَجْرُورَ الْخَبَرَ فِي قُوَّةِ الْوَصْفِ، فَإِنَّ الْمَجْرُورَاتِ وَالظُّرُوفَ الْوَاقِعَةَ أَخْبَارًا تَتَضَمَّنُ مَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ الْمُبْتَدَأُ وَهُوَ الْحُصُولُ وَالثُّبُوتُ الْمُقَدَّرُ فِي الْكَلَامِ بِكَائِنٍ أَوْ مُسْتَقِرٍّ كَمَا بَيَّنَهُ عُلَمَاءُ النَّحْوِ. وَالتَّقْدِيرُ:
حِسَابُهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّصَافِ بِمَدْلُولِ عَلى رَبِّي. وَكَذَلِكَ قَدَّرَهُ السَّكَّاكِيُّ فِي «الْمِفْتَاحِ» ، وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ إِضَافِيٍّ، أَيْ لَا يَتَجَاوَزُ الْكَوْنُ عَلَى رَبِّي إِلَى الِاتِّصَافِ بِكَوْنِهِ عَلَيَّ. وَهُوَ رَدٌّ لِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ قَوْمِهِ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِإِبْعَادِ الَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَكُونُوا مُسَاوِينَ لَهُمْ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي طَلَبَهُ نُوحٌ مِنْ قَوْمِهِ.
وَقَوْلُهُ: لَوْ تَشْعُرُونَ تَجْهِيلٌ لَهُمْ وَرَغْمٌ لِغُرُورِهِمْ وَإِعْجَابِهِمُ الْبَاطِلِ. وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ تَشْعُرُونَ لَشَعَرْتُمْ بِأَنَّ حِسَابَهُمْ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَيَّ فَلِمَا سَأَلْتُمُونِيهِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَهَّلَهُمْ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ هُودٍ [29] وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ [1] .
هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي يُطَابِقُ نَظْمَ الْآيَةِ وَمَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى زِيَادَاتٍ وَفُرُوضٍ.
وَالْمُفَسِّرُونَ نَحَوْا مَنْحَى تَأْوِيلِ الْأَرْذَلُونَ أَنَّهُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِالرَّذَالَةِ الدَّنِيَّةِ، أَيِ الطَّعْنُ فِي صِدْقِ إِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَجَعَلُوا قَوْلَهُ: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ تَبَرُّؤًا مِنَ الْكَشْفِ عَلَى ضَمَائِرِهِمْ وَصِحَّةِ إِيمَانِهِمْ. وَلَعَلَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ هُوَ لَفْظُ الْحِسَابِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْحِسَابِ الَّذِي يَقَعُ يَوْمَ الْجَزَاءِ وَذَلِكَ لَا يُثْلَجُ لَهُ الصَّدْرُ.
وَعُطِفَ قَوْلُهُ: وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَوْلِهِ: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ مُقْتَضَى طَرْدِهِمْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ.
وَجُمْلَةُ: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَنَّ وَصْفِي يَصْرِفُنِي عَنْ مُوَافَقَتِكُمْ.

[1] فِي المطبوعة: (وَلَكِنَّكُمْ قوم تجهلون) وَهُوَ خطأ، والمثبت هُوَ الصَّوَاب وَالله أعلم.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 162
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست