responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 161
وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ حَتَّى أَشْتَغِلَ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَعْمَالِهِمْ بِمَا يُنَاسِبُ مَرَاتِبَهُمْ فَأَنَا لَا أَهْتَمُّ بِمَا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ.
وَضُمِّنَ عِلْمِي مَعْنَى اشْتِغَالِي وَاهْتِمَامِي فعدّي بِالْبَاء.
وبِما كانُوا يَعْمَلُونَ مَوْصُول مَا صدقه الْحَالَةُ لِأَنَّ الْحَالَةَ لَا تَخْلُو مِنْ عَمَلٍ.
فَالْمَعْنَى: وَمَا عِلْمِي بِأَعْمَالِهِمْ. وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي السُّؤَالِ عَنْ أَحَدٍ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ أَيْ مَا خَبَرُهُ وَمَا حَالُهُ؟ وَمِنْهُ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّبِيِّ الْأَنْصَارِيِّ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»
لِطَائِرٍ يُسَمَّى النُّغَرَ (بِوَزْنِ صُرَدٍ) وَهُوَ مِنْ نَوْعِ الْبُلْبُلِ كَانَ عِنْدَ الصَّبِيِّ يَلْعَبُ بِهِ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ الَّذِينَ مَاتُوا مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»
أَيْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِمْ، فَهُوَ إِمْسَاكٌ عَنِ الْجَوَابِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: مَا بَالُهُ، أَيْ مَا حَالُهُ؟.
وَفِعْلُ كانُوا مَزِيدٌ بَيْنَ (مَا) الْمَوْصُولَةِ وَصِلَتِهَا لِإِفَادَةِ التَّأْكِيدِ، أَيْ تَأْكِيدِ مَدْلُولِ «مَا عِلْمِي بِمَا يَعْمَلُونَ» . وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ عِلْمِي بِمَا يَعْمَلُونَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا كَانُوا عَمِلُوهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: بِما كانُوا فَاعِلٌ وَلَيْسَتِ اسْمًا لِ (كَانَ) لِأَنَّ (كَانَ) الزَّائِدَةَ لَا تَنْصُبُ الْخَبَرَ.
وَشَمَلَ قَوْلُهُ: بِما كانُوا يَعْمَلُونَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن.
و (الْحساب) حَقِيقَتُهُ: العدّ، وَاسْتعْمل فِي معنى تمحيص الْأَعْمَال وَتَحْقِيق ظواهرها وبواطنها بِحَيْثُ لَا يفوت مِنْهَا شَيْء أَو يشْتَبه.
وَالْمعْنَى: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى مُعَامَلَتَهُمْ بِمَا أَسْلَفُوا وَمَا يَعْمَلُونَ وَبِحَقَائِقِ أَعْمَالِهِمْ. وَهَذَا الْمَقَالُ اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ شُمُولِهِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الَّتِي مِنْهَا مَا يُحَاسَبُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الرَّسُولِ الْمُشَرِّعِ، فَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْإِرْشَادِ فِي عَدَمِ إِهْمَالِ فُرْصَتِهِ. وَهَذَا
كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا قَالُوهَا (أَيْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
، أَيْ تَحْقِيقُ مُطَابَقَةِ بَاطِنِهِمْ لِظَاهِرِهِمْ عَلَى اللَّهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 161
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست