responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 186
وَ (مَنْ يَخْشى) هُوَ الْمُسْتَعِدُّ لِلتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي صِحَّةِ الدِّينِ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُفَكِّرُ لِلنَّجَاةِ فِي الْعَاقِبَةِ، فَالَخَشْيَةُ هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ الْأَصْلِيِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمَعْنَى الْإِسْلَامِيُّ، وَهُوَ خَوْفُ اللَّهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْفِعْلِ الْمَآلُ، أَي من يؤول أَمْرُهُ إِلَى الَخَشْيَةِ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ التَّقْوَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة: 2] أَيِ الصَّائِرِينَ إِلَى التَّقْوَى.
وتَنْزِيلًا حَالٌ مِنَ الْقُرْآنَ ثَانِيَةٌ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّنْوِيهُ بِالْقُرْآنِ وَالْعِنَايَةُ بِهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْكِنَايَةِ بِأَنَّ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْكَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَتْرُكُ نَصْرَكَ وَتَأْيِيدَكَ.
وَالْعُدُولُ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ أَوْ عَنْ ضَمِيرِهِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ تَحَتُّمِ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، لِأَنَّهُ خَالِقُ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمْ خَلْقًا، وَلِذَلِكَ وَصَفَ والسّماوات بِالْعُلَى صِفَةً كَاشِفَةً زِيَادَةً فِي تَقْرِيرِ مَعْنَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ شَأْنَ مُنَزِّلِ الْقُرْآنِ لَا جَرَمَ كَانَ الْقُرْآنُ شَيْئًا عَظِيمًا، كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
والرَّحْمنُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ لَازِمِ الْحَذْفِ تبعا للاستعمال فِي حذف الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ كَمَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً. وَاخْتِيرَ وَصْفُ الرَّحْمنُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ بِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَنْكَرُوا تَسْمِيَته تَعَالَى الرحمان: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: 60] . وَفِي ذِكْرِهِ هُنَا وَكَثْرَةِ التَّذْكِيرِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ بَعْثٌ عَلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ شُكْرًا عَلَى إِحْسَانِهِ بِالرَّحْمَةِ الْبَالِغَةِ.
وَجُمْلَةُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى حَالٌ مِنَ الرَّحْمنُ. أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 16  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست