responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 11
وَفِي ذَلِكَ إِدْمَاجٌ لِرِفْعَةِ قدر مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِثْبَاتُ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ أُوتِيَ مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِ دَعْوَتِهِ مَا لَا قيل لَهُمْ بِإِنْكَارِهِ، فَقَدْ كَانَ إِسْرَاؤُهُ إِطْلَاعًا لَهُ عَلَى غَائِبٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مَكَانٍ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وأَسْرى لُغَةٌ فِي سَرَى، بِمَعْنَى سَارَ فِي اللَّيْلِ، فَالْهَمْزَةُ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ لِأَنَّ
التَّعْدِيَةَ حَاصِلَةٌ بِالْبَاءِ، بَلْ أسرى فعل مفتح بِالْهَمْزَةِ مُرَادِفُ سَرَى، وَهُوَ مِثْلُ أَبَانَ الْمُرَادِفُ بَانَ، وَمِثْلُ أَنْهَجَ الثَّوْبُ بِمَعْنَى نَهَجَ أَيْ بَلِيَ، فَ أَسْرى بِعَبْدِهِ بِمَنْزِلَةِ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17] .
وَلِلْمُبَرِّدِ وَالسُهَيْلِيِّ نُكْتَةٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزَةِ وَالتَّعْدِيَةِ بِالْبَاءِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَبْلَغُ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ تَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْفَاعِلِ الْمَفْعُولَ فِي الْفِعْلِ، فَأَصْلُ (ذَهَبَ بِهِ) أَنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَسارَ بِأَهْلِهِ [الْقَصَص: 29] . وَقَالَتِ الْعَرَبُ أَشْبَعَهُمْ شَتْمًا، وَرَاحُوا بِالْإِبِلِ. وَفِي هَذَا لَطِيفَةٌ تُنَاسِبُ الْمَقَامَ هُنَا إِذْ قَالَ أَسْرى بِعَبْدِهِ دُونَ سَرَى بِعَبْدِهِ، وَهِيَ التَّلْوِيحُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ مَعَ رَسُولِهِ فِي إِسْرَائِهِ بِعِنَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: 48] ، وَقَالَ: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التَّوْبَة: 40] .
فَالْمَعْنَى: الَّذِي جَعَلَ عَبْدَهُ مُسْرَيًا، أَيْ سَارِيًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [هود: 81] .
وَإِذْ قَدْ كَانَ السُّرَى خَاصًّا بِسَيْرِ اللَّيْلِ كَانَ قَوْلُهُ: لَيْلًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ السَّيْرَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كَانَ فِي جُزْءِ لَيْلَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ إِلَّا تَأْكِيدًا، عَلَى أَنَّ الْإِفَادَةَ كَمَا يَقُولُونَ خَيْرٌ مِنَ الْإِعَادَةِ.
وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ مَبْدَأِ السَّيْرِ وَنِهَايَتِهِ فِي بَعْضِ لَيْلَةٍ، وَأَيْضًا لِيَتَوَسَّلَ بِذِكْرِ اللَّيْلِ إِلَى تَنْكِيرِهِ الْمُفِيدِ لِلتَّعْظِيمِ.
فَتَنْكِيرُ لَيْلًا لِلتَّعْظِيمِ، بِقَرِينَةِ الِاعْتِنَاءِ بِذِكْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ فِعْلِ أَسْرى، وَبِقَرِينَةِ عَدَمِ تَعْرِيفِهِ، أَيْ هُوَ لَيْلٌ عَظِيمٌ بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ زَمَنًا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست