responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 10
فَإِنَّ جُمْلَةَ التَّسْبِيحِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَشْبِيهًا أَوْ تَنْقِيصًا لَا يَلِيقَانِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافّات: 180] يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً فِي أَكثر من التَّنْزِيه، وَذَلِكَ هُوَ التَّعْجِيبُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُتَحَدَّثِ بِهِ كَقَوْلِهِ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النُّور: 16] ، وَقَوْلِ الْأَعْشَى:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحُ صَادِرًا مِنْهُ كَانَ الْمَعْنَى تَعْجِيبَ السامعين، لِأَن التَّعَجُّب مُسْتَحِيلَةٌ حَقِيقَتُهُ عَلَى اللَّهِ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ فِي مَحَامِلِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ إِلَى التَّمْثِيلِ، مِثْلُ مَجِيءِ الرَّجَاءِ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى نَحْوُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الْبَقَرَة: 189] ، بَلْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ تَعَجُّبُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى التَّعْجِيبِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ أَتَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ فُلَانٍ كَيْتَ وَكَيْتَ.
وَوَجْهُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ عِنْدَ ظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَلَمَّا كَانَ ظُهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ مُزِيلًا لِلشَّكِّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَلِلْإِشْرَاكِ بِهِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْطِقَ الْمُتَأَمِّلُ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْعَجْزِ.
وَأَصْلُ صِيَغِ التَّسْبِيحِ هُوَ كَلِمَةُ «سُبْحَانَ اللَّهِ» الَّتِي نُحِتْ مِنْهَا السَّبْحَلَةُ. وَوَقَعَ التَّصَرُّفُ فِي صِيَغِهَا بِالْإِضْمَارِ نَحْوُ سُبْحَانَكَ وَسُبْحَانَهُ، وَبِالْمَوْصُولِ نَحْوُ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها [يس: 36] وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِ دُونَ الِاسْمِ الْعَلَمِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا تُفِيدُهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ هَذَا التَّعْجِيبِ وَالتَّنْوِيهِ وَسَبَبِهِ، وَهُوَ ذَلِكَ الْحَادِثُ الْعَظِيمُ وَالْعِنَايَةُ الْكُبْرَى. وَيُفِيدُ أَنَّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ أَمْرٌ فَشَا بَيْنَ الْقَوْمِ، فَقَدْ آمَنُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَكْبَرَهُ الْمُشْرِكُونَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 10
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست