responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 29
مُقَابِلَةِ الْجِهَةِ الَّتِي ابْتَدَأُوا مِنْهَا فَجَعَلُوا ذَلِكَ حَوْلًا كَامِلًا. وَتِلْكَ الْمَسَافَةُ الَّتِي تُخَالُ الشَّمْسُ قَدِ اجْتَازَتْهَا فِي مُدَّةِ السَّنَةِ سَمَّوْهَا دَائِرَةَ الْبُرُوجِ أَوْ مِنْطَقَةَ الْبُرُوجِ. وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ تِلْكَ الطَّوَائِفِ مِنَ النُّجُومِ جَعَلُوا لَهَا أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي شَبَّهُوهَا بِهَا وَأَضَافُوا الْبُرْجَ إِلَيْهَا.
وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ابْتِدَاءٌ مِنْ بُرْجِ مَدْخَلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ: الْحَمَلُ، الثَّوْرُ، الْجَوْزَاءُ، (مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَوْزِ- بِفَتْحٍ فَسُكُونِ الْوَسَطِ- لِأَنَّهَا مُعْتَرِضَةٌ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ) ، السَّرَطَانُ، الْأَسَدُ، السُّنْبُلَةُ، الْمِيزَانُ، الْعَقْرَبُ، الْقَوْسُ، الْجَدْيُ، الدَّلْوُ، الْحُوتُ.
فَاعْتَبَرُوا لِبُرْجِ الْحمل شهر (أبرير) وَهَكَذَا، وَذَلِكَ بِمُصَادَفَةِ أَنْ كَانَتِ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ فِي سَمْتِ شَكْلٍ نَجْمِيٍّ شَبَّهُوهُ بِنُقَطِ خُطُوطِ صُورَةِ كَبْشٍ. وَبِذَلِكَ يُعْتَقَدُ أَنَّ الْأَقْدَمِينَ ضَبَطُوا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ وَقَسَّمُوهَا إِلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِلَى الْأَشْهُرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَبْلَ أَنْ يَضْبِطُوا الْبُرُوجَ. وَإِنَّمَا ضَبَطُوا الْبُرُوجَ لِقَصْدِ تَوْقِيتِ ابْتِدَاءِ الْفُصُولِ بِالضَّبْطِ لِيَعْرِفُوا مَا مَضَى مِنْ مُدَّتِهَا وَمَا بَقِيَ.
وَأَوَّلُ مَنْ رَسَمَ هَذِهِ الرُّسُومَ الْكَلْدَانِيُّونَ، ثُمَّ انْتَقَلَ عِلْمُهُمْ إِلَى بَقِيَّةِ الْأُمَمِ وَمِنْهُمُ الْعَرَبُ فَعَرَفُوهَا وَضَبَطُوهَا وَسَمَّوْهَا بِلُغَتِهِمْ.
وَلِذَلِكَ أَقَامَ الْقُرْآنُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْبُرُوجِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا دَقَائِقَهَا وَنِظَامَهَا الَّذِي تَهَيَّأَتْ بِهِ لِأَنْ تَكُونَ وَسِيلَةَ ضَبْطِ الْمَوَاقِيتِ بِحَيْثُ لَا تُخْلَفُ مُلَاحَظَةُ رَاصِدِهَا. وَمَا خَلَقَهَا اللَّهُ بِتِلْكَ الْحَالَةِ إِلَّا لِيَجْعَلَهَا صَالِحَةً لِضَبْطِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [سُورَة يُونُس: 5] . ثُمَّ ارْتَقَى فِي الِاسْتِدْلَالِ بِكَوْنِ هَذِهِ الْبُرُوجِ الْعَظِيمَةِ الصُّنْعِ قَدْ جُعِلَتْ بِأَشْكَالٍ تَقَعُ مَوْقِعَ الْحُسْنِ فِي الْأَنْظَارِ فَكَانَتْ زِينَةً لِلنَّاظِرِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِمُشَاهَدَتِهَا فِي اللَّيْلِ فَكَانَتِ الْفَوَائِدُ مِنْهَا عَدِيدَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِلتَّعْلِيمِ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ. وَفِيهِ التَّنْوِيهُ بِعِصْمَةِ الْوَحْيِ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَهُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 29
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست