responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 255
بِالْعَدْلِ فِي ذَاتِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [سُورَة الْبَقَرَة: 191] ، وَمَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَهِيَ مُعَامَلَةٌ مَعَ خَالِقِهِ بِالِاعْتِرَافِ لَهُ بِصِفَاتِهِ وَبِأَدَاءِ حُقُوقِهِ وَمُعَامَلَةٌ مَعَ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ أَصُولُ الْمُعَاشَرَةِ الْعَائِلِيَّةِ وَالْمُخَالَطَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
[سُورَة الْأَنْعَام: 152] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [58] .
وَمِنْ هَذَا تَفَرَّعَتْ شُعَبُ نِظَامِ الْمُعَامَلَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ آدَابٍ، وَحُقُوقٍ وَأَقْضِيَةٍ، وَشَهَادَاتٍ، وَمُعَامَلَةٍ مَعَ الْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [سُورَة الْمَائِدَة: 8] .
وَمَرْجِعُ تَفَاصِيلِ الْعَدْلِ إِلَى أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ. فَالْعَدْلُ هُنَا كَلِمَةٌ مُجْمَلَةٌ جَامِعَةٌ فَهِيَ بِإِجْمَالِهَا مُنَاسبَة إِلَى أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ، فَيُصَارُ فِيهَا إِلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي أُصُولِ الشَّرَائِعِ وَإِلَى مَا رَسَمَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْبَيَانِ فِي مَوَاضِعِ الْخَفَاءِ، فَحُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْأُخُوَّةِ وَالتَّنَاصُحِ قَدْ أَصْبَحَتْ مِنَ الْعَدْلِ بِوَضْعِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فَهُوَ مُعَامَلَةٌ بِالْحُسْنَى مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهَا. وَالْحَسَنُ: مَا كَانَ مَحْبُوبًا عِنْدَ الْمُعَامَلِ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِفَاعِلِهِ، وَأَعْلَاهُ مَا كَانَ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا فَسَّرَهُ
النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
. وَدُونَ ذَلِكَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ. ثُمَّ الْإِحْسَانُ فِي الْمُعَامَلَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَدْلِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَمَعَ سَائِرِ الْأَصْنَافِ إِلَّا مَا حَرَّمَ الْإِحْسَانَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ» .
وَمِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِحْسَانِ مَا
فِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» : «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ يَأْكُلُ الثَّرَى فَنَزَعَتْ خُفَّهَا وَأَدْلَتْهُ فِي بِئْرٍ وَنَزَعَتْ فَسَقَتْهُ فَغَفَرَ الله لَهَا»
. و

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست