responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 244
وَانْتَصَبَ يَوْمَ نَبْعَثُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ يَوْمَ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ يُقَدَّرُ بِمَا يَسْمَحُ بِهِ الْمَعْنَى، مِثْلُ: نُحَاسِبُهُمْ حِسَابًا لَا يُسْتَعْتَبُونَ مِنْهُ، أَوْ وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا مِنَ الْخَطْبِ الْعَظِيمِ.
وَالَّذِي دَعَا إِلَى هَذَا الْحَذْفِ هُوَ أَنَّ مَا حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي الظَّرْفِ وَهُوَ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ حُوِّلَ إِلَى جَعْلِهِ مَعْطُوفًا عَلَى جُمْلَةِ الظَّرْفِ بِحَرْفِ ثُمَّ الدَّالِّ عَلَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، إِذِ الْأَصْلُ: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا لَا يُؤذن للَّذين كفرُوا ... إِلَى آخِرِهِ، فَبَقِيَ الظَّرْفُ بِدُونِ مُتَعَلَّقٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّامِعِ بُدٌّ مِنْ تَقْدِيرِهِ بِمَا تَذْهَبُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. وَذَلِكَ يُفِيدُ التَّهْوِيلَ وَالتَّفْظِيعَ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ.
وَالشَّهِيدُ: الشَّاهِدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [41] .
وَالْبَعْثُ: إِحْضَارُهُ فِي الْمَوْقِفِ.
وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، لِأَنَّ إِلْجَامَهُمْ عَنِ الْكَلَامِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِعْتَابِ أَشَدُّ هَوْلًا مِنَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهِيدِ عَلَيْهِمْ. وَلَيْسَتْ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَنِ، لِأَنَّ عَدَمَ الْإِذْنِ لَهُمْ مُقَارِنٌ لِبَعْثِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِمْ. وَالْمَعْنَى: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ بِالْمُجَادَلَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَحُذِفَ مُتَعَلَّقِ يُؤْذَنُ لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْإِذْنِ كِنَايَةً عَنِ الطَّرْدِ كَمَا كَانَ الْإِذْنُ كِنَايَةً عَنِ الْإِكْرَامِ، كَمَا
فِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «مَا اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا أَذِنَ لِي»
. وَحِينَئِذٍ لَا يُقَدَّرُ لَهُ مُتَعَلَّقٌ أَوْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ جَهَنَّمَ حِينَ يَسْأَلُونَهُ بِقَوْلِهِمُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ [سُورَة غَافِر: 49] فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [سُورَة الجاثية: 35] .
وَالِاسْتِعْتَابُ: أَصْلُهُ طَلَبُ الْعُتْبَى، وَالْعُتْبَى: الرِّضَى بَعْدَ الْغَضَبِ، يُقَالُ: اسْتَعْتَبَ فُلَانٌ فُلَانًا فَأَعْتَبَهُ، إِذَا أَرْضَاهُ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [سُورَة فصلت: 24] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست