responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 431
يَهُودِيًّا وَأَسْلَمَ وَأَلَّفَ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ سَمَّاهُ «الْحُسَامُ الْمَحْدُودُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ» كَتَبَهُ بِغِيدِنَ وَضَبَطَهُ بِالْعَلَامَاتِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَلَعَلَّ النُّقْطَةَ عَلَى حَرْفِ الْعَيْنِ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ فَذَلِكَ هُوَ مَنْشَأُ قَوْلِ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا بِعَدْنٍ أَوْ بِفِلَسْطِينَ أَوْ بَيْنَ فَارِسَ وَكِرْمَانَ، وَالَّذِي أَلْجَأَهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ جَنَّةَ الثَّوَابِ دَارُ كَمَالٍ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَحْصُلَ فِيهَا الْعِصْيَانُ وَأَنَّهَا دَارُ خُلْدٍ لَا يَخْرُجُ سَاكِنُهَا، وَهُوَ التجاء بِلَا ملجىء لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ سُكَّانٍ الْجَنَّةِ لَا لِتَأْثِيرِ الْمَكَانِ وَكُلُّهُ جَعْلُ الله تَعَالَى عِنْد مَا أَرَادَهُ.
وَاحْتَجَّ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ أَلْ فِي (الْجَنَّةِ) لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ وَلَا مَعْهُودَ غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ كَوْنُهَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْجِنْسِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ، إِذْ لَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا قَدْ نِيطَ بِهَا فِعْلُ السُّكْنَى وَلَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ عَلَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ إِذِ الْفَرْدُ مِنَ الْحَقِيقَةِ هُنَا مَقْصُودٌ مُعَيَّنٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِسْكَانِ جَزَاء وإكرام فَلَا بُد أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِجَنَّةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِظُهُورِ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْجَزَاءَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَعْهُودٍ وَلَا مَعْهُودَ إِلَّا الْجنَّة الْمَعْرُوفَة لَا سِيمَا وَهُوَ اصْطِلَاحُ الشَّرْعِ.
وَقد يُقَال يخْتَار أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ وَلَعَلَّ الْمَعْهُودَ لِآدَمَ هُوَ جَنَّةٌ فِي الْأَرْضِ مُعَيَّنَةٍ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ وَلِذَلِكَ أَخْتَارُ أَنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْقَصَصَ لَنَا حُكِيَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَعَارَفَةِ لَدَيْنَا تَرْجَمَةٌ لِأَلْفَاظِ اللُّغَةِ الَّتِي
خُوطِبَ بِهَا آدَمُ أَوْ عَنِ الْإِلْهَامِ الَّذِي أُلْقِيَ إِلَى آدَمَ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ (الْجَنَّةِ) مَنْظُورًا فِيهِ إِلَى مُتَعَارَفِنَا فَيَكُونُ آدَمُ قَدْ عَرَفَ الْمُرَادَ مِنْ مَسْكَنِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ التَّعْرِيفِ وَيَكُونُ قَدْ حُكِيَ لَنَا ذَلِكَ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيفِ لِأَنَّ لَفْظَ الْجَنَّةِ الْمُقْتَرِنَ فِي كَلَامِنَا بِلَامِ التَّعْرِيفِ يَدُلُّ عَلَى عَيْنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ الْآخَرُ الَّذِي عَرَفَ بِهِ آدَمُ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ قُلْنَا لَهُ اسْكُنِ الْبُقْعَةَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ بِالْجَنَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ هِيَ الْجَنَّةُ الْمَعْدُودَةُ دَارًا لِجَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ.
وَمَعْنَى الْأَكْلِ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ ثَمَرِهَا لِأَنَّ الْجَنَّةَ تَسْتَلْزِمُ ثِمَارًا وَهِيَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ وَلِذَلِكَ تُجْعَلُ (مِنْ) تَبْعِيضِيَّةً بِتَنْزِيلِ بَعْضِ مَا يَحْوِيهِ الْمَكَانُ مُنْزِلَةَ بَعْضٍ لِذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةً إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ الْمَأْذُونَ فِيهِ أَكْلُ مَا تُثْمِرُهُ تِلْكَ الْجَنَّةُ كَقَوْلِكَ هَذَا الثَّمَرُ مِنْ خَيْبَرَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 431
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست