responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 430
وَالسُّكْنَى اتِّخَاذُ الْمَكَانِ مَقَرًّا لِغَالِبِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ.
وَالْجَنَّةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْأَرْضِ فِيهَا الْأَشْجَارٌ الْمُثْمِرَةٌ وَالْمِيَاهُ وَهِيَ أَحْسَنُ مَقَرٍّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا لَفَحَهُ حَرُّ الشَّمْسِ وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا جَاعَ وَيَشْرَبُ مِنَ الْمِيَاهِ الَّتِي يَشْرَبُ مِنْهَا الشَّجَرُ وَيَرُوقُهُ مَنْظَرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَالْجَنَّةُ تَجَمَعُ مَا تَطْمَحُ إِلَيْهِ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ مِنَ اللَّذَّاتِ.
وَتَعْرِيفُ (الْجَنَّةِ) تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهِيَ جَنَّةٌ مَعْهُودَةٌ لِآدَمَ يُشَاهِدُهَا إِذَا كَانَ التَّعْرِيفُ فِي (الْجَنَّةِ) حِكَايَةً لِمَا يُرَادِفُهُ فِيمَا خُوطِبَ بِهِ آدَمُ، أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعْهُودُ لَنَا إِذَا كَانَتْ حِكَايَةُ قَوْلِ اللَّهِ لَنَا بِالْمَعْنَى وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْجَنَّةِ فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ أَنَّهَا جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُصَدِّقِينَ رُسُلَهُ وَجَزَمُوا بِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ عَالَمِ الْغَيْبِ أَيْ فِي السَّمَاءِ وَأَنَّهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْخَيْرِ بَعْدَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الَّذِي تَقَلَّدَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ ظَوَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا تَعْدُو أَنَّهَا ظَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ لَكِنَّهَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ تَأْثِيرٌ فِي الْعَقِيدَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَدَا الْجُبَّائِيَّ إِلَى أَنَّهَا جَنَّةٌ فِي الْأَرْضِ خَلَقَهَا اللَّهُ لِإِسْكَانِ آدَمَ وَزَوْجِهِ، وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْهُمْ
أَنَّهَا بُسْتَانٌ فِي فِلَسْطِينَ أَوْ هُوَ بَيْنَ فَارِسَ وَكِرْمَانَ، وَأَحْسَبُ أَن هَذَا ناشىء عَنْ تَطَلُّبِهِمْ تَعْيِينَ الْمَكَانِ الَّذِي ذُكِرَ مَا يُسَمَّى فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِ عَدْنٍ.
فَفِي التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّانِي مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ «وَأَخَذَ الرَّبُّ الْإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا- ثُمَّ قَالَتْ- فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الْإِلَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الْأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ جَنَّةَ عَدْنٍ لَيْسَتْ فِي الْأَرْضِ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ شُرَّاحُ التَّوْرَاةِ أَنَّ جَنَّةَ عَدْنٍ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ وَصْفِ نَهْرِ هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّذِي يَسْقِيهَا بِأَنَّهُ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ فَيَسْقِي الْجَنَّةَ وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيصير أَرْبَعَة رُؤُوس اسْمُ الْوَاحِدِ (قَيْشُونُ) وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحُوَيْلَةِ وَهُمْ مِنْ بَنِي كُوشٍ كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ مِنَ التَّكْوِينِ وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي (جَيْحُونُ) وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضٍ كُوشٍ، وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ (حِدَّا قِلْ) وَهُوَ الْجَارِي شَرْقَ أَشُورْ (دِجْلَةَ) . وَالنَّهْرُ الرَّابِعُ الْفُرَاتُ.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِ عَدْنٍ هَذِهِ. وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ الْحَقِّ الْإِسْلَامِيِّ السِّبْتِيِّ الَّذِي كَانَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست