responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 372
الَّتِي هِيَ غَايَةُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان:
19] . فَمَا مِنْ شَرِيعَةٍ سَلَفَتْ إِلَّا وَهِيَ حَلْقَةٌ مِنْ سِلْسِلَةٍ جُعِلَتْ وَصْلَةً لِلْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا وَهِيَ عُرْوَةُ الْإِسْلَامِ فَمَتَى بَلَغَهَا النَّاس فقد فصوا مَا قَبْلَهَا مِنَ الْحِلَقِ وَبَلَغُوا الْمُرَادَ، وَمَتَى انْقَطَعُوا فِي أَثْنَاءِ بَعْضِ الْحِلَقِ فَقَدْ قَطَعُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ وَصْلَهُ، فَالْيَهُودُ لَمَّا زَعَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُمُ الْعُدُولُ عَنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ قَدْ قَطَعُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فَفَرَّقُوا مُجْتَمَعَهُ.
وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [الْبَقَرَة: 12] وَمِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ عُكُوفُ قَوْمٍ عَلَى دِينٍ قَدِ اضْمَحَلَّ وَقْتُ الْعَمَلِ بِهِ وَأَصْبَحَ غَيْرَ صَالِحٍ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنَ الْبَشَرِ فَإِنَّ اللَّهَ مَا جَعَلَ شَرِيعَةً مِنَ الشَّرَائِعِ خَاصَّةً وَقَابِلَةً لِلنَّسْخِ إِلَّا وَقَدْ أَرَادَ مِنْهَا إِصْلَاحَ طَائِفَةٍ مِنَ الْبَشَرِ مُعَيَّنَةٍ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي عِلْمِهِ، وَمَا نَسَخَ دِينًا إِلَّا لِتَمَامِ وَقْتِ صُلُوحِيَّتِهِ لِلْعَمَلِ بِهِ فَالتَّصْمِيمُ عَلَى عَدَمِ تَلَقِّي النَّاسِخِ وَعَلَى مُلَازَمَةِ الْمَنْسُوخِ هُوَ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ صَلَاحٌ لِلْبَشَرِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ كَمُدَاوَاةِ الْمَرِيضِ بِدَوَاءٍ كَانَ وُصِفَ لَهُ فِي حَالَةٍ تَبَدَّلَتْ مِنْ أَحْوَالِ مَرَضِهِ حَتَّى أَتَى دِينُ الْإِسْلَامِ عَامًّا دَائِمًا
لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلْكُلِّ.
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قَصْرُ قَلْبٍ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنْفُسَهُمْ رَابِحِينَ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [الْبَقَرَة: 16] . وَذِكْرُ الْخُسْرَانِ تَخْيِيلٌ مُرَادٌ مِنْهُ الِاسْتِعَارَةُ فِي ذَاتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرَ فِي يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ فَهَذِهِ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا مُوَجَّهَةٌ إِلَى الْيَهُودِ لِمَا عَلِمْتَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وَلِمَا عَلِمْتَ مِنْ كَثْرَةِ إِطْلَاقِ وَصْفِ الْفَاسِقِينَ عَلَى الْيَهُودِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ فَرِيقَيْنِ: الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ الْقُرْآنُ قَدْ وَصَفَ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [25] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ فَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ لَا مَحَالَةَ فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُنَاكِدُ جَعْلَ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُوَجَّهَةً إِلَى الْيَهُودِ إِذْ لَيْسَ يَلْزَمُ الْمُفَسِّرَ حَمْلُهُ أَيِ الْقُرْآنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ حَتَّى كَانَ آيُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ قَوَالِبَ تُفَرَّغُ فِيهَا مَعَانٍ مُتَّحِدَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِضِدِّ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست