responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 371
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ الْآيَة وَصفا للفاسقين وَكَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْفَاسِقِينَ الْيَهُودَ كَمَا عَلِمْتَ كَانَ ذِكْرُ الْعَهْدِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْفَاسِقِينَ هُنَا هُمْ، وَتَسْجِيلًا عَلَى الْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمْ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ قَبْلِ الْيَوْمِ بِشَهَادَةِ كُتُبِهِمْ وَعَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِمْ فَكَانَ لِاخْتِيَارِ لَفْظِ الْعَهْدِ هُنَا وَقْعٌ عَظِيمٌ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمِفْتَاحِ الَّذِي يُوضَعُ فِي حَلِّ اللُّغْزِ لِيُشِيرَ لِلْمَقْصُودِ فَهُوَ الْعَهْدُ الَّذِي سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي [الْبَقَرَة: 40] .
وَالْمِيثَاقُ مِفْعَالٌ وَهُوَ يَكُونُ لِلْآلَةِ كَثِيرًا كَمِرْقَاةٍ وَمِرْآةٍ وَمِحْرَاثٍ، قَالَ الْخَفَاجِيُّ كَأَنَّهُ إِشْبَاعٌ لِلْمِفْعَلِ، وَلِلْمَصْدَرِ أَيْضًا نَحْوَ الْمِيلَادِ وَالْمِيعَادِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا. وَالضَّمِيرُ لِلْعَهْدِ أَيْ مِنْ بَعْدِ تَوْكِيدِ الْعَهْدِ وَتَوْثِيقِهِ. وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ عَهْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، بَلْ كُلُّ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ كَانَ تَوْكِيدُ كُلِّ مَا يَفْرِضُهُ الْمُخَاطَبُ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْعُهُودِ وَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى حَدِّ:
وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النَّحْل: 91] فَالْمِيثَاقُ إِذَنْ عَهْدٌ آخَرُ اعْتُبِرَ مُؤَكِّدًا لِعَهْدٍ سَبَقَهُ أَوْ لَحِقَهُ.
وَقَوْلُهُ: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ قِيلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ هُوَ قُرَابَةُ الْأَرْحَامِ يَعْنِي وَحَيْثُ تَرَجَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُ عَمَلِ الْيَهُودِ فَذَلِكَ إِذْ تَقَاتَلُوا وَأَخْرَجُوا كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَمْ تَزَلِ التَّوْرَاةُ تُوصِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحُسْنِ مُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَقِيلَ
الْإِعْرَاضُ عَنْ قَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ هُوَ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ اقْتِرَانُ الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ. وَقِيلَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْإِيمَانِ بِبَعْضٍ وَالْكُفْرِ بِبَعْضٍ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ يَعْنِي بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ.
وَأَقُولُ تَكْمِيلًا لِهَذَا إِنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا شَرَعَ لِلنَّاسِ مُنْذُ النَّشْأَةِ إِلَى خَتْمِ الرِّسَالَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ إِبْلَاغُ الْبَشَرِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا وَحِفْظُ نِظَامِ عَالَمِهِمْ وَضَبْطُ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْتَوِرُهُ خَلَلٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى حسب مبلغ تهييء الْبَشَرِ لِتَلَقِّي مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَلَّمَا اخْتَلَفَتِ الْأُصُولُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ قَالَ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ [الشورى: 13] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الشَّرَائِعُ فِي تَفَارِيعِ أُصُولِهَا اخْتِلَافًا مُرَاعًى فِيهِ مَبْلَغَ طَاقَةِ الْبَشَرِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ حَتَّى فِي حَمْلِهِمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ لِيَكُونَ تَلَقِّيهِمْ لِذَلِكَ أَسْهَلَ، وَعَمَلُهُمْ بِهِ أَدْوَمَ، إِلَى أَنْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي وَقْتٍ رَاهَقَ فِيهِ الْبَشَرُ مَبْلَغَ غَايَةِ الْكَمَالِ الْعَقْلِيِّ وَجَاءَهُمْ دِينٌ تُنَاسِبُ أَحْكَامُهُ وَأُصُولُهُ اسْتِعْدَادَهُمُ الْفِكْرِيَّ وَإِنْ تَخَالَفَتِ الْأَعْصَارُ وَتَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ فَكَانَ دِينًا عَامًّا لِجَمِيعِ الْبَشَرِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتِ الشَّرَائِعُ السَّابِقَةُ تمهيدا لَهُ لتهييء الْبَشَرَ لِقَبُولِ تَعَالِيمِهِ وَتَفَارِيعِهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست