responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 327
مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِاللَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَتَبِعَهُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ [الْبَقَرَة: 158] فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَالْعُدُولُ إِلَى الْإِضَافَةِ هُنَا لِأَنَّهَا أَخْصَرُ طَرِيقٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ فَهِيَ أَخْصَرُ مِنَ الْمَوْصُولِ فَلَوْ أُرِيدَ غَيْرُ اللَّهِ لَقِيلَ اعْبُدُوا أَرْبَابَكُمْ فَلَا جَرَمَ كَانَ قَوْلُهُ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ دَعْوَةٌ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ فَقَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَكُمْ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمُوجِبِ الْعِبَادَةِ، أَوْ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَا اقْتَضَتْهُ الْإِضَافَةُ مِنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِأَحَقِّيَّةِ الْعِبَادَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يُفِيدُ تَذْكِيرَ الدَّهْرِيِّينَ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ
إِنَّمَا خَلَقَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَقَالُوا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] فَكَانَ قَوْلُهُ:
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ آبَاءَهُم الْأَوَّلين لَا بُد أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى أَبٍ أَوَّلٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ التَّأْكِيدِ بِزِيَادَةِ حَرْفِ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِكُمْ الَّذِي يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى قَبْلِكُمْ، لِأَنَّ (مِنْ) فِي الْأَصْلِ لِلِابْتِدَاءِ فَهِيَ تُشِيرُ إِلَى أَوَّلِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْقَبْلِيَّةِ فَذِكْرُهَا هُنَا اسْتِرْوَاحٌ لِأَصْلِ مَعْنَاهَا مَعَ مَعْنَى التَّأْكِيدِ الْغَالِبِ عَلَيْهَا إِذَا وَقَعَتْ مَعَ قَبْلُ وَبعد.
وَالْخَلْقُ أَصْلُهُ الْإِيجَادُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَتَسْوِيَةٍ وَمِنْهُ خَلَقَ الْأَدِيمَ إِذَا هَيَّأَهُ لِيَقْطَعَهُ وَيَخْرُزَهُ، قَالَ جُبَيْرٌ فِي هَرَمِ بْنِ سِنَانٍ:
وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْ ... ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
وَأُطْلِقَ الْخَلْقُ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الشَّرِيعَةِ عَلَى إِيجَادِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُومَةِ فَهُوَ إِخْرَاجُ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ إِخْرَاجًا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْبَشَرِ فَإِنَّ إِيجَادَ الْبَشَرِ بِصَنْعَتِهِمْ أَشْيَاءَ إِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرُهَا بِتَرْكِيبِ مُتَفَرِّقِ أَجْزَائِهَا وَتَقْدِيرِ مَقَادِيرَ مَطْلُوبَةٍ مِنْهَا كَصَانِعِ الْخَزَفِ فَالْخَلْقُ وَإِيجَادُ الْعَوَالِمِ وَأَجْنَاسِ الْمَوْجُودَاتِ وَأَنْوَاعِهَا وَتَوَلُّدِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ بِمَا أَوْدَعَتِ الْخِلْقَةُ الْإِلَهِيَّةُ فِيهَا مِنْ نِظَامِ الْإِيجَادِ مِثْلِ تَكْوِينِ الْأَجِنَّةِ فِي الْحَيَوَانِ فِي بُطُونِهِ وَبَيْضِهِ وَتَكْوِينِ الزَّرْعِ فِي حُبُوبِ الزَّرِّيعَةِ وَتَكْوِينِ الْمَاءِ فِي الْأَسْحِبَةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ خَلْقٌ وَهُوَ مِنْ تَكْوِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَدْ يُقَارِنُ بَعْضَ ذَلِكَ الْإِيجَادِ مِنْ علاج النَّاس كالتزوج وَإِلْقَاءِ الْحَبِّ وَالنَّوَى فِي الْأَرْضِ لِلْإِنْبَاتِ، فَالْإِيجَادُ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ بِدُونِ عَمَلٍ بَشَرِيٍُُّ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 327
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست