responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 326
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ خِطَابَاتِ التَّشْرِيعِ وَنَحْوَهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فِي أَصْلِ اللُّغَاتِ لِأَنَّ الْمُشَرِّعَ لَا يَقْصِدُ لِفَرِيقٍ مُعَيَّنٍ، وَكَذَلِكَ خِطَابُ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ فِي الظَّهَائِرِ وَالتَّقَالِيدِ، فَقَرِينَةُ عَدَمِ قَصْدِ الْحَاضِرِينَ ثَابِتَةٌ وَاضِحَةٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْحَاضِرِينَ تَعَلُّقٌ أَصْلِيٌّ إِلْزَامِيٌّ وَتَعَلُّقَهُ بِالَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ تَعَلُّقٌ مَعْنَوِيٌّ إِعْلَامِيٌّ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَرَّرَ فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَنَفْرِضُ مِثْلَهُ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ.
وَالْعِبَادَةُ فِي الْأَصْلِ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الْفَاتِحَة: 5] وَلَمَّا كَانَ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ إِنَّمَا يَحْصُلُ عَنْ صِدْقِ الْيَقِينِ كَانَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَتَوْحِيدُهُ بِالْإِلَهِيَّةِ مَبْدَأَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ مَنْ أَشْرَكَ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ لَهُ. فَالْمُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ وَالدَّهْرِيُّونَ مِنْهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبِ الْعِبَادَةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْخَالِقِ وَمِنْ تَوْحِيدِهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ، وَالْإِسْلَامِ لِلدِّينِ وَالِامْتِثَالِ لِمَا شَرَعَهُ إِلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى مُنْتَهَى الْعِبَادَةِ وَلَوْ بِالدَّوَامِ وَالْمُوَاظَبَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ فَإِنَّهُمْ مَشْمُولُونَ لِلْخِطَابِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَالْمَأْمُورِيَّةُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ عِنْد من يَأْبَى ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ وَإِنْ كُنَّا لَا نَأْبَاهُ إِذَا صَلَحَ لَهُ السِّيَاقُ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [الْبَقَرَة: 22] عَلَى قَوْلِهِ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الْآيَةَ. فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ بِخِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ إِنَّمَا يُعْنَى بِهِ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَتَصْدِيقُ الرَّسُولِ، وَخِطَابُهُمْ بِذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ سَمِجَةٌ.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الرَّبِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ [2] . وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْإِضَافَةِ مِنْ طُرُقِ التَّعْرِيفِ نَحْوُ الْعَلَمِيَّةِ إِذْ لَمْ يَقُلِ اعْبُدُوا اللَّهَ، لِأَنَّ فِي الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الرَّبِّ إِيذَانًا بِأَحَقِّيَّةِ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ فَإِنَّ الْمُدَبِّرَ لِأُمُورِ الْخَلْقِ هُوَ جَدِيرٌ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الشُّكْرِ وَإِظْهَارَ الِاحْتِيَاجِ.
وَإِفْرَادُ اسْمِ الرَّبِّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَبُّ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ رَبٌّ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ بِالْإِفْرَادِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ آلِهَةً إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الْقَبَائِلِ كَانَ لَهَا مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِبَعْضِ الْأَصْنَامِ، كَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 326
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست