responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 424
لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ، لِأَنَّ الصَّبَّارَ يُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا الْغَدَّارُ فَيَعْهَدُ وَيَغْدِرُ، فَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْعَهْدِ وَأَمَّا الْكَفُورُ فَمُقَابَلَتُهُ مَعْنًى لِلشَّكُورِ وَاضِحَةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الدَّلَائِلَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْحَشْرِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ، أَمَرَ بِالتَّقْوَى عَلَى سَبِيلِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ بِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.
لَا يَجْزِي: لَا يَقْضِي، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُتَقَاضِي: الْمُتَجَازِي، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْوَالِدُ أَكْثَرَ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ مِنَ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ، بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا، وَأَتَى فِي الْإِسْنَادِ إِلَى الْوَالِدِ بِالْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّجَدُّدِ، لِأَنَّ شَفَقَتَهُ مُتَجَدِّدَةٌ عَلَى الْوَلَدِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَتَى فِي الْإِسْنَادِ إِلَى الْوَلَدِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ، وَالثُّبُوتُ يَصْدُقُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ لَا يَجْزِي صِفَةٌ لِيَوْمٍ، وَالضَّمِيرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ بِرُمَّتِهِ، وَإِمَّا عَلَى التَّدْرِيجِ حُذِفَ الْخَبَرُ، فَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ فَحُذِفَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجْزِي مُضَارِعَ جَزَى وَعِكْرِمَةُ: بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَأَبُو السِّمَاكِ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو السَّوَّارِ: لا يجزىء، بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ مَهْمُوزًا، وَمَعْنَاهُ: لَا يُغْنِي يُقَالُ: أَجْزَأْتُ عَنْكَ جَزَاءَ فُلَانٍ: أَيْ أَغْنَيْتُ. وَيَجُوزُ فِي وَلا مَوْلُودٌ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى وَالِدٍ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ جازٍ، صِفَةُ لمولود. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وهو مبتدأ ثان، وجاز خَبَرَهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْأَوَّلِ، وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِهِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ، وَهُوَ النَّفْيُ. وَذُهِلَ الْمَهْدَوِيُّ فَقَالَ:
لَا يَكُونُ مَوْلُودٌ مُبْتَدَأً، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَمَا بَعْدَهُ صِفَةٌ، فَيَبْقَى بِلَا خبر وشَيْئاً منصوب بجاز، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ، لِأَنَّهُ يَطْلُبُهُ لَا يَجْزِي وَيَطْلُبُهُ جازٍ، فَجَعَلْنَاهُ مِنْ أَعْمَالِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَيَعْقُوبُ: نغرنكم، بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ. وَقَرَأَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ: الْغُرُورُ بِالضَّمِّ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْجُمْهُورُ:
بِالْفَتْحِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكُ بِالشَّيْطَانِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قِرَاءَةِ الضَّمِّ عَلَيْهِ جُعِلَ الشَّيْطَانُ نَفْسَ الْغُرُورِ مُبَالَغَةً.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ: وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً هُوَ وَارِدٌ عَلَى طَرِيقٍ مِنَ التَّوْكِيدِ، لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. قُلْتُ: الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ آكَدُ مِنَ الْفِعْلِيَّةِ، وَقَدِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: هُوَ، وَقَوْلُهُ: مَوْلُودٌ، وَالسَّبَبُ فِي مَجِيئِهِ هَذَا السَّنَنَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَغَالِبُهُمْ قُبِضَ آبَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَعَلَى الدِّينِ الْجَاهِلِيِّ، فَأُرِيدَ حَسْمُ أَطْمَاعِهِمْ وَأَطْمَاعِ النَّاسِ أَنْ يَنْفَعُوا آبَاءَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَشْفَعُوا

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 424
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست