responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 33
وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَابْنِ زَيْدٍ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا هَذَا فَهُوَ مِنَ الِاسْتِتَارِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ بَلْ حِفْظُ الْفَرْجِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. ذلِكَ أَيْ غَضُّ الْبَصَرِ وَحِفْظُ الْفَرْجِ أَطْهَرُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ مِنْ إِحَالَةِ النَّظَرِ وَانْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ، فَيُجَازِي عَلَى ذَلِكَ. وَقَدَّمَ غَضَّ الْبَصَرِ عَلَى حِفْظِ الْفَرْجِ لِأَنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنَا وَرَائِدُ الْفُجُورِ وَالْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ وَأَكْثَرُ لَا يَكَادُ يقدر على الاحتزاز مِنْهُ، وَهُوَ الْبَابُ الْأَكْبَرُ إِلَى الْقَلْبِ وَأَعْمَرُ طُرُقِ الْحَوَاسِّ إِلَيْهِ وَيَكْثُرُ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ:
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا نَظْرَةٌ إِثْرَ نَظْرَةٍ ... تَزِيدُ نُمُوًّا إِنْ تَزِدْهُ لَجَاجًا
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حُكْمَ الْمُؤْمِنَاتِ فِي تَسَاوِيهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْغَضِّ مِنَ الْأَبْصَارِ وَفِي الْحِفْظِ لِلْفُرُوجِ. ثُمَّ قَالَ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ وَاسْتَثْنَى مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ، وَالزِّينَةُ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ خِضَابٍ، فَمَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهَا كَالْخَاتَمِ وَالْفَتْخَةِ وَالْكُحْلِ وَالْخِضَابِ فَلَا بَأْسَ بِإِبْدَائِهِ لِلْأَجَانِبِ، وَمَا خَفِيَ مِنْهَا كَالسُّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالدُّمْلُجِ وَالْقِلَادَةِ وَالْإِكْلِيلِ وَالْوِشَاحِ وَالْقُرْطِ فَلَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِمَنِ اسْتُثْنِيَ. وَذَكَرَ الزِّينَةَ دُونَ مَوَاضِعِهَا مُبَالَغَةً فِي الْأَمْرِ بِالتَّصَوُّنِ وَالتَّسَتُّرِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَنَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَوَاضِعَ مِنَ الحسد لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَهِيَ السَّاقُ وَالْعَضُدُ وَالْعُنُقُ وَالرَّأْسُ وَالصَّدْرُ وَالْآذَانُ، فَنَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الزِّيَنِ نَفْسِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَحِلُّ إِلَيْهَا لِمُلَابَسَتِهَا تِلْكَ الْمَوَاقِعَ بِدَلِيلِ النَّظَرِ إِلَيْهَا غَيْرَ مُلَابِسَةٍ لَهَا، وَسُومِحَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّ سَتْرَهَا فِيهِ حَرَجٌ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ مُزَاوَلَةِ الْأَشْيَاءِ بِيَدِهَا وَمِنَ الْحَاجَةِ إِلَى كَشْفِ وَجْهِهَا خُصُوصًا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُحَاكَمَةِ وَالنِّكَاحِ، وَتُضْطَرُّ إِلَى الْمَشْيِ فِي الطرقات وظهور قدميها الْفَقِيرَاتُ مِنْهُنَّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها يَعْنِي إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ وَالْجِبِلَّةُ عَلَى ظُهُورِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الظُّهُورُ وَسُومِحَ فِي الزِّينَةِ الْخَفِيفَةِ.
أُولَئِكَ الْمَذْكُورُونَ لِمَا كَانُوا مُخْتَصِّينَ بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ الْمُضْطَرَّةِ إِلَى مُدَاخَلَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَلِقِلَّةِ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ مِنْ جِهَاتِهِمْ وَلِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنَ النُّفْرَةِ عَنْ مُمَاسَّةِ الْقَرَائِبِ، وَتَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إِلَى صُحْبَتِهِمْ فِي الْأَسْفَارِ لِلنُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا ظَهَرَ مِنْها هُوَ الثِّيَابُ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ قَالَ: الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الثِّيَابُ، وَقَالَ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [1] وَفُسِّرَتِ الزِّينَةُ بِالثِّيَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي جَمَاعَةٍ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْوَجْهُ وَالْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ وَالسُّوَارُ.

[1] سورة الأعراف: 7/ 31.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 33
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست