responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 237
الْهَدِيَّةِ، بَلْ جَوَّزَتِ الرَّدَّ، وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ أَنْ يَنْكَشِفَ لَهَا غَرَضُ سُلَيْمَانَ. وَالْهَدِيَّةُ: اسْمٌ لِمَا يُهْدَى، كَالْعَطِيَّةِ هِيَ اسْمٌ لِمَا يُعْطَى. وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لِقَوْمِهَا: إِنْ كَانَ مَلِكًا دُنْيَاوِيًّا، أَرْضَاهُ الْمَالُ وَعَمِلْنَا مَعَهُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا، لَمْ يُرْضِهِ الْمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ نَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَأَرْسَلَتِ الْهَدِيَّةَ، فَلَمَّا جَاءَ، أَيِ الرَّسُولُ سُلَيْمَانَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْجِنْسُ لَا حَقِيقَةَ الْمُفْرَدِ، وَكَذَلِكَ الضَّمِيرُ في ارجع والرسول يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. وَقَرَأَ عَبْدُ الله: فلما جاءوا، وقرأ: ارْجِعُوا، جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى قوله: الْمُرْسَلُونَ. وأَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ: اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَاسْتِقْلَالٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى عُزُوفِهِ عَنِ الدُّنْيَا، وَعَدَمِ تَعَلُّقِ قَلْبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَسِعَةِ الْمُلْكِ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ بِمَا يُهْدَى إِلَيْكُمْ تَفْرَحُونَ بِحُبِّكُمُ الدُّنْيَا، وَالْهَدِيَّةُ تَصِحُّ إِضَافَتُهَا إِلَى الْمُهْدِي وَإِلَى الْمَهْدَى إِلَيْهِ، وَهِيَ هُنَا مُضَافَةٌ لِلْمُهْدَى إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إِلَى الْمُهْدِي، أَيْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ هَذِهِ الَّتِي أَهْدَيْتُمُوهَا تَفْرَحُونَ فَرَحَ افْتِخَارٍ عَلَى الْمُلُوكِ، فَإِنَّكُمْ قَدَرْتُمْ عَلَى إِهْدَاءِ مِثْلِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنِ الرَّدِّ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ مِنْ حَقِّكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا هَدِيَّتَكُمْ وَتَفْرَحُوا بِهَا. وَقَرَأَ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: أَتُمِدُّونَنِي، بِنُونَيْنِ، وَأَثْبَتَ بَعْضٌ الْيَاءَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ: بِإِدْغَامِ نُونِ الرَّفْعِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَإِثْبَاتِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ الْمُسَيَّبِيُّ، عَنْ نَافِعٍ: بِنُونٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ وَأَنَا أَغْنَى مِنْكُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَهُ بِالْفَاءِ؟ قُلْتُ: إِذَا قُلْتُهُ بِالْوَاوِ، فَقَدْ جَعَلْتُ مُخَاطِبِي عَالِمًا بِزِيَادَتِي عَلَيْهِ فِي الْغِنَى، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَمُدُّنِي بِالْمَالِ، وَإِذَا قَلَتُهُ بِالْفَاءِ، فَقَدْ جَعَلْتُهُ مِمَّنْ خَفِيَتْ عَنْهُ حَالِي، وَأَنَا أُخْبِرُهُ السَّاعَةَ بِمَا لَا أَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى إِمْدَادِهِ، كَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: أُنْكِرُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ، فَإِنِّي غَنِيٌّ عَنْهُ. وَعَلَيْهِ وَرَدَ قَوْلُهُ: فَما آتانِيَ اللَّهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا وَجْهُ الْإِضْرَابِ؟ قُلْتُ: لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الْإِمْدَادَ وَعَلَّلَ إِنْكَارَهُ، أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ سَبَبَ رِضًا وَلَا فَرَحٍ إِلَّا أَنْ يُهْدَى إِلَيْهِمْ حَظٌّ مِنَ الدُّنْيَا الَّتِي لَا يَعْلَمُونَ غَيْرَهَا. انْتَهَى.
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ: هُوَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِالْهَدِيَّةِ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أَمِيرُ الْوَفْدِ، وَالْمَعْنَى: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّتِهِمْ، وَتَقَدَّمَتْ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: ارْجِعُوا إِلَيْهِمْ، وَارْجِعُوا هُنَا لَا تَتَعَدَّى، أَيِ انْقَلِبُوا وَانْصَرِفُوا إِلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: ارْجِعْ، لِلْهُدْهُدِ مُحَمَّلًا كِتَابًا آخَرَ. ثُمَّ أَقْسَمَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ: فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ، مُتَوَعِّدًا لَهُمْ، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَيْ إِنْ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست