responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 236
كَانَتْ عَادَتِي هَذِهِ مَعَكُمْ، فَكَيْفَ لَا أَسْتَشِيرُكُمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ الْخُرُوجُ مِنَ الْمُلْكِ وَالِانْسِلَاكُ فِي طَاعَةِ غَيْرِي وَالصَّيْرُورَةُ تَبَعًا؟ فَرَاجَعَهَا الْمَلَأُ بِمَا أَقَرَّ عَيْنَهَا مِنْ قولهم:
إنهم أُولُوا قُوَّةٍ، أَيْ قُوَّةٍ بِالْعَدَدِ والعدد، وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ: أَيْ أَصْحَابُ شَجَاعَةٍ وَنَجْدَةٍ. أَظْهَرُوا الْقُوَّةَ الْعَرْضِيَّةَ، ثُمَّ الْقُوَّةَ الذَّاتِيَّةَ، أي نحن متهيؤون لِلْحَرْبِ وَدَفْعِ هَذَا الْحَادِثِ. ثُمَّ قَالُوا: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ، وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ مُحَاوَرَتِهِمْ، إِذْ وَكَّلُوا الْأَمْرَ إِلَيْهَا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الطَّاعَةِ الْمُفْرِطَةِ، أَيْ نَحْنُ ذَكَرْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ مَوْكُولٌ إِلَيْكِ، كَأَنَّهُمْ أَشَارُوا أَوَّلًا عَلَيْهَا بِالْحَرْبِ، أَوْ أَرَادُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ الْحَرْبِ لَا أَبْنَاءُ الِاسْتِشَارَةِ، وَأَنْتِ ذَاتُ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ الْحَسَنِ. فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ بِهِ، نَرْجِعُ إِلَيْكِ وَنَتَّبِعُ رأيك، وفانظري مِنَ التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ، وَمَاذَا هو المفعول الثاني لتأمرين، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، أَيْ تَأْمُرِينَنَا. وَالْجُمْلَةُ مُعَلَّقٌ عَنْهَا انْظُرِي، فَهِيَ في موضع مفعول لأنظري بَعْدَ إِسْقَاطِ الْحَرْفِ مِنِ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا كِتَابُ سُلَيْمَانَ، لَا عَلَى يَدِ رَجُلٍ بَلْ عَلَى طَائِرٍ، اسْتَعْظَمَتْ مُلْكَ سُلَيْمَانَ، وَعَلِمَتْ أَنَّ مَنْ سُخِّرَ لَهُ الطَّيْرُ حَتَّى يُرْسِلَهُ بِأَمْرٍ خَاصٍّ إِلَى شَخْصٍ خَاصٍّ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ، غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَيْهِ تَدْوِيخُ الْأَرْضِ وَمُلُوكِهَا، فَأَخْبَرَتْ بِحَالِ الْمُلُوكِ وَمَالَتْ إِلَى الْمُهَادَاةِ وَالصُّلْحِ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً: أَيْ تَغَلَّبُوا عَلَيْهَا، أَفْسَدُوها:
أَيْ خَرَّبُوهَا بِالْهَدْمِ وَالْحَرْقِ وَالْقَطْعِ، وَأَذَلُّوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْأَسْرِ، وَقَوْلُهَا فِيهِ تَزْيِيفٌ لِآرَائِهِمْ فِي الْحَرْبِ، وَخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَحِيَاطَةٌ لَهُمْ، وَاسْتِعْظَامٌ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ هُوَ مِنْ قَوْلِهَا، أَيْ عَادَةُ الْمُلُوكِ الْمُسْتَمِرَّةُ تِلْكَ مِنَ الْإِفْسَادِ وَالتَّذْلِيلِ، وَكَانَتْ نَاشِئَةً فِي بَيْتِ الْمُلْكِ، فَرَأَتْ ذَلِكَ وَسَمِعَتْ. ذَكَرَتْ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِمَا ذَكَرَتْ مِنْ حَالِ الْمُلُوكِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ إِعْلَامًا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ، وَتَصْدِيقًا لِإِخْبَارِهَا عَنِ الْمُلُوكِ إِذَا تَغَلَّبُوا.
وَلَمَّا كَانَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ قَبُولَ الْهَدَايَا، وَأَنَّ قَبُولَهَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْأُلْفَةِ، قَالَتْ:
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ، أَيْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ، رُسُلًا بِهَدِيَّةٍ، وَجَاءَ لَفْظُ الْهَدِيَّةِ مُبْهَمًا.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَعْيِينِهَا أَقْوَالًا مُضْطَرِبَةً مُتَعَارِضَةً، وَذَكَرُوا مِنْ حِيَلِهَا وَمِنْ حَالِ سُلَيْمَانَ حِينَ وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْهَدِيَّةُ، وَكَلَامِهِ مَعَ رُسُلِهَا مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وفَناظِرَةٌ معطوف على مُرْسِلَةٌ. وبِمَ متعلق بيرجع. وَوَقَعَ لِلْحَوْفِيِّ أَنَّ الْبَاءَ متعلقة بناظرة، وَهُوَ وَهْمٌ فَاحِشٌ، وَالنَّظَرُ هُنَا مُعَلَّقٌ أَيْضًا. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولِ بِهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَثِقْ بِقَبُولِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست