responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 209
الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ: وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ [1] . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ إِمْهَالَهُ الشَّيْطَانَ وَتَخْلِيَتَهُ حَتَّى يُزَيِّنَ لَهُمْ مُلَابَسَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلتَّزْيِينِ فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمَحْكِيُّ بِبَعْضِ الْمُلَابَسَاتِ. انْتَهَى، وَهُوَ تَأْوِيلٌ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ.
أُوْلئِكَ: إِشَارَةٌ إِلَى منكري البعث، وسُوءُ الْعَذابِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِالدُّنْيَا، بَلْ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي الدُّنْيَا، وَفُسِّرَ بِمَا نَالَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ. وَقِيلَ: مَا يَنَالُونَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَسُوءُ الْعَذَابِ: شِدَّتُهُ وَعِظَمُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَخْسَرُونَ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ تَعَالَى، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَكْثَرُ خُسْرَانًا، إِذْ مَآلُهُ إِلَى عِقَابٍ دَائِمٍ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ، فَقَدْ يَزُولُ عَنْهُ وَيَنْكَشِفُ. فَكَثْرَةُ الْخُسْرَانِ وَزِيَادَتُهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ تُرَتَّبُ الْأَكْثَرِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ وَاحِدًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، أَوِ الْهَيْئَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَفْعَلُ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلشَّرِكَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ خُسْرَانٌ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يُشْرِكَهُ فِيهِ الْكَافِرُ وَيَزِيدَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ الِاشْتِرَاكِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَخْسَرُونَ جَمْعُ أَخْسَرَ، لِأَنَّ أَفْعَلَ صِفَةٌ لَا يُجْمَعُ إِلَّا أَنَّ يُضَافَ، فَتَقْوَى رُتْبَتُهُ فِي الْأَسْمَاءِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. انْتَهَى.
وَلَا نَظَرَ فِي كَوْنِهِ يُجْمَعُ جَمْعَ سَلَامَةٍ وَجَمْعَ تَكْسِيرٍ. إذا كان بأل، بَلْ لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا ذَلِكَ، إِذَا كَانَ قَبْلَهُ مَا يُطَابِقُهُ فِي الْجَمْعِيَّةِ فَيَقُولُ: الزَّيْدُونَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ، وَالْأَفَاضِلُ، وَالْهِنْدَاتُ هُنَّ الْفُضْلَيَاتُ وَالْفُضْلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لا يجمع إلا أن يُضَافَ، فَلَا يَتَعَيَّنُ إِذْ ذَاكَ جَمْعُهُ، بَلْ إِذَا أُضِيفَ إِلَى نَكِرَةٍ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى مَعْرِفَةٍ جَازَ فِيهِ الْجَمْعُ وَالْإِفْرَادُ عَلَى مَا قُرِّرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ النَّحْوِ.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ، خَاطَبَ نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّكَ، أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَلَقَّيْتَهُ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، لَا كَمَا ادَّعَاهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّهُ إِفْكٌ وَأَسَاطِيرُ وَكَهَانَةٌ وَشِعْرٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَقَوُّلَاتِهِمْ. وَبُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَفْعُولِ، وَحُذِفَ الْفَاعِلُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [2] .
وَلَقَّى يَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، وَالتَّضْعِيفُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ، فَيُعَدَّى بِهِ إِلَى اثْنَيْنِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَلَقِيَهُ فَتَلَقَّاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَعْنَاهُ يُعْطَى، كَمَا قَالَ: وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [3] .

[1] سورة الفرقان: 25/ 18.
[2] سورة الشعراء: 26/ 193.
[3] سورة فصلت: 41/ 35.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست