responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 208
الصِّلَةُ فِعْلًا. وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِالْآخِرَةِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ مُسْتَقِرُّ الدَّيْمُومَةِ، جَاءَتِ الْجُمْلَةُ اسْمِيَّةً، وَأَكَّدَتِ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ فِيهَا بِتَكْرَارِهِ، فَقِيلَ: هُمْ يُوقِنُونَ وَجَاءَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ فِعْلًا لِيَدُلَّ عَلَى الدَّيْمُومَةِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتِمَّ الصِّلَةُ عِنْدَهُ، أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَهُمْ، قَالَ: وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً، كَأَنَّهُ قِيلَ:
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ هُمُ الْمُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقَدَ جُمْلَةً ابْتِدَائِيَّةً وَكَرَّرَ فِيهَا الْمُبْتَدَأُ الَّذِي هُوَ هُمْ، حَتَّى صَارَ مَعْنَاهَا: وَمَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ حَقَّ الْإِيقَانِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لِأَنَّ خَوْفَ الْعَاقِبَةِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً، هُوَ عَلَى غَيْرِ اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ فِي الْجُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ مِنْ كَوْنِهَا لَا تَقَعُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ، كَوُقُوعِهَا بَيْنَ صِلَةِ وموصولة، وَبَيْنَ جُزْأَيْ إِسْنَادٍ، وَبَيْنَ شَرْطٍ وَجَزَائِهِ، وَبَيْنَ نَعْتٍ وَمَنْعُوتٍ، وَبَيْنَ قَسَمٍ وَمُقْسَمٍ عَلَيْهِ، وَهُنَا لَيْسَتْ وَاقِعَةً بَيْنَ شَيْئَيْنِ مِمَّا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ إِلْخَ. حَتَّى صَارَ مَعْنَاهَا فِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالزَّكَاةُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ قَدِيمَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَفْرُوضَةَ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ. وَقِيلَ: الزَّكَاةُ هُنَا بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ مِنَ النَّقَائِصِ وَمُلَازِمَةِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. انْتَهَى.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ، ذَكَرَ الْمُنْكِرِينَ وَالْإِشَارَةُ إِلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ. وَالْأَعْمَالُ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَعْمَالَ الْخَيْرِ وَالتَّوْحِيدِ الَّتِي كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ تَكُونَ أَعْمَالَهُمْ، فَعَمُوا عَنْهَا وَتَرَدَّدُوا وَتَحَيَّرُوا، وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَوْ أَعْمَالَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، فَيَكُونُ تَعَالَى قَدْ حَبَّبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَزَيَّنَهُ بِأَنْ خَلَقَهُ فِي نُفُوسِهِمْ، فَرَأَوْا تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْقَبِيحَةَ حَسَنَةً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كيف أسند تزين أَعْمَالِهِمْ إِلَى ذَاتِهِ، وَأَسْنَدَهُ إِلَى الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [1] ؟ قُلْتُ: بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ فَرْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ إِسْنَادَهُ إِلَى الشَّيْطَانِ حَقِيقَةٌ، وَإِسْنَادَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ، وَلَهُ طَرِيقَانِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَجَازُ الَّذِي يُسَمَّى الِاسْتِعَارَةَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَجَازِ الْمَحْكِيِّ.
فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا مَتَّعَهُمْ بِطُولِ الْعُمْرِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ، وَجَعَلُوا إِنْعَامُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ ذَرِيعَةً إِلَى اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِمْ وَبَطَرِهِمْ وَإِيثَارِهِمُ التَّرَفُّهَ وَنِفَارِهِمْ عَمَّا يَلْزَمُهُمْ فِيهِ التَّكَالِيفُ الصَّعْبَةُ وَالْمَشَاقُّ الْمُتْعِبَةُ، فَكَأَنَّهُ زَيَّنَ لَهُمْ بِذَلِكَ أَعْمَالَهُمْ، وَإِلَيْهِ إِشَارَةُ

[1] سورة النمل: 27/ 24، وسورة العنكبوت: 29/ 38.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست