responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 167
إِلَّا الصَّغَائِرُ، وَهِيَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً، فَمَا لَهُ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَطِيئَةً أَوْ خَطَايَا، وَطَمِعَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ؟
قُلْتُ: الْجَوَابُ مَا سَبَقَ، أَنَّ اسْتِغْفَارَ الْأَنْبِيَاءِ تَوَاضُعٌ مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ وَهَضْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَطْمَعُ، وَلَمْ يَجْزِمِ الْقَوْلَ. انْتَهَى. ويَوْمَ الدِّينِ: ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ يَغْفِرُ، وَالْغُفْرَانُ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا، فَأَثَرُهُ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ فِي الدُّنْيَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ حَمْلَ الْخَطِيئَةِ عَلَى تِلْكَ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ نِسْبَةَ مَا لَا يُطَابِقُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَحَمَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ قَالَ: لِأَنَّهُ إِنْ طَابَقَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَالَ الْإِشْكَالُ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ رَجَعَ حَاصِلُ الْجَوَابِ إِلَى إِلْحَاقِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ، لِأَجْلِ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. قَالَ: وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، وَقَدْ يُسَمَّى خَطَأً. فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جَوْهَرَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِدِينَارٍ، قِيلَ: أَخْطَأَ، وَتَرْكُ الْأَوْلَى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ جَائِزٌ.
انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ وَتَبْدِيلِ أَلْفَاظٍ لِلْأَدَبِ بِمَا يُنَاسِبُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ.
وَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَهُ بِالْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ بَيْنَ يَدَيْ طَلِبَتِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ تَعَالَى فَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ:
الْحُكْمُ: الْحِكْمَةُ وَالنُّبُوَّةُ، لأنها حاصلة تلو طَلَبَ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ذُو حِكْمَةٍ وَذُو حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ بِالنُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ، فَلَوْ طَلَبَ النُّبُوَّةَ لَكَانَتْ مَطْلُوبَةً، إِمَّا عَيْنُ الْحَاصِلَةِ أَوْ غَيْرُهَا. وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ، لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، وَالثَّانِي مُحَالٌ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ نَبِيًّا مَرَّتَيْنِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْحُكْمِ مَا هُوَ كَمَالُ النُّبُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَيْرِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ فَسَّرَ الْحُكْمَ بِالْحِكْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ، قَالَ: وَدُعَاؤُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ فِي التَّثَبُّتِ وَالدَّوَامِ. وَإِلْحَاقُهُ بِالصَّالِحِينَ: تَوْفِيقُهُ لِعَمَلٍ يَنْتَظِمُهُ فِي جُمْلَتِهِمْ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ أَجَابَهُ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [1] .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: وَإِنَّمَا قَدَّمَ قَوْلَهُ: هَبْ لِي حُكْماً عَلَى قَوْلِهِ: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ النَّظَرِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَعَكْسُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ الرُّوحِ، وَالْعَمَلَ صِفَةُ الْبَدَنِ، وَكَمَا أَنَّ الرُّوحَ أَشْرَفُ مِنَ الْبَدَنِ، كَذَلِكَ الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِصْلَاحِ. انْتَهَى. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ الثَّنَاءُ وَتَخْلِيدُ الْمَكَانَةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَكَذَلِكَ أَجَابَ اللَّهُ دعوته، فكل

[1] سورة البقرة: 2/ 130.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست