responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 154
وَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَمْرَ الْعَصَا وَالْيَدِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ، هَالَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ فَزِعَ إِلَى رَمْيِهِ بِالسِّحْرِ. وَطَمِعَ لِغَلَبَةِ عِلْمِ السِّحْرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يُقَاوِمُهُ، أَوْ كَانَ عَلِمَ صِحَّةَ الْمُعْجِزَةِ. وَعَمَّى تِلْكَ الْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، بِرَمْيِهِ بِالسِّحْرِ، وَبِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ، لِيَقْوَى تَنْفِيرُهُمْ عَنْهُ، وَابْتِغَاؤُهُمُ الْغَوَائِلَ لَهُ، وَأَنْ لَا يَقْبَلُوا قَوْلَهُ إِذْ مِنْ أَصْعَبِ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّذِي نشأوا فِيهِ، ثُمَّ اسْتَأْمَرَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ مَعَهُ، وَذَلِكَ لِمَا حَلَّ بِهِ مِنَ التَّحَيُّرِ وَالدَّهَشِ وَانْحِطَاطِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ أُلُوهِيَّتِهِ إِلَى أَنْ صَارَ يَسْتَشِيرُهُمْ فِي أَمْرِهِ، فَيَأْمُرُونَهُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ فِيهِ، فَصَارَ مَأْمُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ آمِرًا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ في فَماذا تَأْمُرُونَ وَفِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي وَافَقَتْ مَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَلَمَّا قَالَ: إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ، عَارَضُوا بِقَوْلِهِ: بِكُلِّ سَحَّارٍ، فَجَاءُوا بِكَلِمَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْبِنَاءِ الَّذِي لِلْمُبَالَغَةِ، لِيُنَفِّسُوا عَنْهُ بَعْضَ مَا لَحِقَهُ مِنَ الْكَرْبِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ: بِكُلِّ سَاحِرٍ. وَالْيَوْمُ الْمَعْلُومُ: يَوْمُ الزِّينَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ طه. وَقَوْلُهُ: هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ، اسْتِبْطَاءٌ لَهُمْ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِعْجَالُهُمْ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِغُلَامِهِ: هَلْ أَنْتَ مُنْطَلِقٌ؟ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهُ وَيَحُثَّهُ عَلَى الِانْطِلَاقِ، كَمَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْطَلَقُوا وَهُوَ وَاقِفٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ تَأَبَّطَ شَرًّا:
هَلْ أَنْتَ بَاعِثٌ دِينَارًا لِحَاجَتِنَا ... أو عند رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
يُرِيدُ: ابْعَثْهُ إِلَيْنَا سَرِيعًا وَلَا تُبْطِئُ بِهِ. وَتَرَجَّوُا اتِّبَاعَ السَّحَرَةِ، أَيْ فِي دِينِهِمْ، إِنْ غَلَبُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا يَتَّبِعُونَ مُوسَى فِي دِينِهِ. وَسَاقُوا الْكَلَامَ سِيَاقَ الْكِنَايَةِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا اتَّبَعُوهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَدَخَلَتْ إِذَا هُنَا بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا، وَهِيَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ. وبِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلْقَسَمِ، وَالَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَاءُ مَحْذُوفٌ، وَعَدَلُوا عَنِ الْخِطَابِ إِلَى اسْمِ الْغَيْبَةِ تَعْظِيمًا، كَمَا يُقَالُ لِلْمُلُوكِ: أَمَرُوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِكَذَا، فَيُخْبِرُ عَنْهُ إِخْبَارَ الْغَائِبِ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ إِيمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَدْ سَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِيمَانِ مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْ إِيمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَرْضَوْنَ بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ، وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهِ حَتَّى يَحْلِفَ أَحَدُهُمْ بِنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَبِرَأْسِ الْمُحَلِّفِ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَوْثَقُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَسَمٌ قَالَ: وَالْأَجْرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ، إِذْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ كَمَا تَقُولُ إِذَا ابْتَدَأْتَ بِعَمَلِ شَيْءٍ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، وَنَحْوَ هَذَا. وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قالَ لَهُمْ مُوسى، وَقَوْلُهُ: لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، كَلَامٌ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْأَعْرَافِ مِنْ تَخْيِيرِهِمْ إِيَّاهُ فِي الْبَدَاءَةِ مَنْ يُلْقِي. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فَاعِلُ الْإِلْقَاءِ مَا هُوَ لَوْ صَرَّحَ بِهِ؟

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 154
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست