responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 152
قُلْتُ: لَايَنَ أَوَّلًا، فَلَمَّا رَأَى شِدَّةَ الشَّكِيمَةِ فِي الْعِنَادِ وَقِلَّةِ الْإِصْغَاءِ إِلَى عَرْضِ الْحُجَجِ، خَاشَنَ وَعَارَضَ إِنَّ رَسُولَكُمْ لَمَجْنُونٌ بِقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. فَإِنْ قُلْتَ: أَلَمْ يَكُنْ لَأَسْجُنَنَّكَ أَخْصَرَ مِنْ لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ وَمُؤَدِّيًا مُؤَدَّاهُ؟ قُلْتُ: أَمَّا أَخْصَرُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا مُؤَدِّيًا مُؤَدَّاهُ فَلَا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَأَجْعَلَنَّكَ وَاحِدًا مِمَّنْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ فِي سُجُونِي. وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ يُرِيدُ سَجْنَهُ فَيَطْرَحَهُ فِي هُوَّةٍ ذَاهِبَةٍ فِي الْأَرْضِ بَعِيدَةِ الْعُمْقِ فَرْدًا، لَا يُبْصِرُ فِيهَا وَلَا يَسْمَعُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ. انْتَهَى. وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ أَمْرِ فِرْعَوْنَ مَا لَا يَرُوعُهُ مَعَهُ تَوَعُّدُ فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ عَلَى جِهَةِ اللُّطْفِ بِهِ وَالطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ، أَيْ يُوَضِّحُ لَكَ صِدْقِي، أَفَكُنْتَ تَسْجُنُنِي؟ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أو لو جِئْتُكَ، وَاوُ الْحَالِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، مَعْنَاهُ: أَتَفْعَلُ بِي ذَلِكَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ؟ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْوَاوِ، وَالدَّاخِلَةُ عَلَى لَوْ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [1] ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلتَّقْرِيرِ، وَالْمَعْنَى: أَتَسْجُنُنِي حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ أَنْ أُسْجَنَ وَأَنَا مُتَلَبِّسٌ بِهَا؟.
وَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ هَذَا مِنْ مُوسَى طَمِعَ أن يجده مَوْضِعَ مُعَارِضَةٍ فَقَالَ لَهُ: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، أَنَّ لَكَ رَبًّا بَعَثَكَ رَسُولًا إِلَيْنَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْمُعْجِزَةِ إِلَّا الصَّادِقُ فِي دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَصْدِيقٌ مِنَ اللَّهِ لِمُدَّعِي النُّبُوَّةِ، وَالْحَكِيمُ لَا يُصَدِّقُ الْكَاذِبَ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ مِثْلَ فِرْعَوْنَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا، وَخَفِيَ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، حَيْثُ جَوَّزُوا الْقَبِيحَ عَلَى اللَّهِ حَتَّى لَزِمَهُمْ تَصْدِيقُ الْكَاذِبِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ. انْتَهَى. وَتَقْدِيرُهُ: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأْتِ بِهِ، حُذِفَ الْجَزَاءُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْيَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِي دَعْوَاكَ أَتَيْتَ بِهِ. جَعَلَ الْجَوَابَ الْمَحْذُوفَ فِعْلًا مَاضِيًا، وَلَا يُقَدَّرُ إِلَّا من جنس الدليل بقولهم: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ، تَقْدِيرُهُ: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَجَازَ تَقْدِيمُ الْجَوَابِ، لِأَنَّ حَذْفَ الشَّرْطِ لَمْ يَعْمَلْ فِي اللَّفْظِ شَيْئًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ فَأْتِ بِهِ. وَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: حَتَّى لَزِمَهُمْ تَصْدِيقُ الْكَاذِبِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ، إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِلَى إِثْبَاتِهَا. وَالْمُعْجِزُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا لنبي أو

[1] سورة البقرة: 2/ 170.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 152
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست