responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 151
قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: التَّعْرِيفُ بِهَذَا الْأَثَرِ أَظْهَرُ، فَلِهَذَا عَدَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَاقِلُ فِي نَفْسِهِ وَفِي آبَائِهِ كَوْنَهُمْ وَاجِبِي الْوُجُودِ لِذَوَاتِهِمْ، لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ دَلَّتْ عَلَى وُجُودِهِمْ بَعْدَ عَدَمِهِمْ، وَعَدَمِهِمْ بَعْدَ وُجُودِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فِرْعَوْنُ: مَا قَالَ يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سُؤَالِ مَا طَلَبْتَ الْمَاهِيَّةُ وَخُصُوصِيَّةُ الْحَقِيقَةِ. وَالتَّعْرِيفُ بِهَذِهِ الْآثَارِ الْخَارِجِيَّةِ لَا تُفِيدُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةَ، فَهَذَا الَّذِي يَدَّعِي الرِّسَالَةَ مَجْنُونٌ لَا يَفْهَمُ السُّؤَالَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ: فَعَدَلَ إِلَى طَرِيقٍ أَوْضَحَ مِنَ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرِقِ: طُلُوعَ الشَّمْسِ وَظُهُورَ النَّهَارِ، وَأَرَادَ بِالْمَغْرِبِ: غُرُوبَ الشَّمْسِ وَزَوَالَ النَّهَارِ.
وَهَذَا التَّقْدِيرُ الْمُسْتَمِرُّ عَلَى الْوَجْهِ الْعَجِيبِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَدْبِيرِ مُدَبِّرٍ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ طَرِيقَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ نُمْرُوذَ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ أَوَّلًا بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُنَا بِقَوْلِهِ: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، فَأَجَابَهُ نُمْرُوذُ بِقَوْلِهِ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [1] وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُنَا بِقَوْلِهِ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ: أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ، عَرَفْتُمْ أَنْ لَا جَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ إِلَّا مَا ذَكَرْتُ.
انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: زَادَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَيَانِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُظْهِرُ نَقْصَ فِرْعَوْنَ، وَتُبَيِّنُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ رُبُوبِيَّةُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ إِلَّا مُلْكُ مِصْرُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى أَسْوَانَ وَأَرْضُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَحُمَيدٌ، وَالْأَعْرَجُ: أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ، أَيْ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ إِلَيْكُمْ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْأَعْمَشُ: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، عَلَى الْجَمْعِ فِيهِمَا. وَلَمَّا انْقَطَعَ فِرْعَوْنُ فِي بَابِ الِاحْتِجَاجِ، رَجَعَ إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالْغَلَبِ، وَهَذَا أَبْيَنُ عَلَامَاتِ الِانْقِطَاعِ، فَتَوَعَّدَ مُوسَى بِالسِّجْنِ حِينَ أَعْيَاهُ خِطَابُهُ: قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمَّا أَجَابَ مُوسَى بِمَا أَجَابَ، عَجِبَ قَوْمُهُ مِنْ جَوَابِهِ، حَيْثُ نَسَبَ الرُّبُوبِيَّةَ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا ثَنَّى بِتَقْرِيرِ قَوْلِهِ، جَنَّنَّهُ إِلَى قَوْمِهِ وَظَنَنَّ بِهِ، حَيْثُ سَمَّاهُ رَسُولَهُمْ، فَلَمَّا ثَلَّثَ احْتَدَّ وَاحْتَدَمَ، وَقَالَ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ: أَوَّلًا: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، وَآخِرًا: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؟

[1] سورة البقرة: 2/ 258.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست