responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 143
أَتْبَعَهُ عَزَّ وَجَلَّ إِرْسَالَهُ إِلَيْهِمْ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ تَعْجِيبًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَالِهِمُ الَّتِي سَعَتْ فِي الظُّلْمِ وَالْعَسْفِ، وَمِنْ أَمْنِهِمُ الْعَوَاقِبَ وَقِلَّةِ خَوْفِهِمْ وَحَذَرِهِمْ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَلَا يَتَّقُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّالِمِينَ، أَيْ يَظْلِمُونَ غَيْرَ مُتَّقِينَ اللَّهَ وَعِقَابَهُ، فَأُدْخِلَتْ هَمْزَةُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْحَالِ. انْتَهَى. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ جَعْلِهِ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّالِمِينَ، وَقَدْ أَعْرَبَ هُوَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ عَطْفَ بَيَانٍ، فَصَارَ فيه الْفَصْلِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ بِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: ائْتِ وَالَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ حَالٌ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ الظَّالِمِينَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ:
قَوْمَ فِرْعَوْنَ. لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالًا، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِمَا قَبْلَهَا. وَقَوْلُكَ: جِئْتَ أَمُسْرِعًا؟ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمُسْرِعًا حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي جِئْتَ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ أَضْمَرْتَ عَامِلًا بعد الهمزة جاز. وقرىء: بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا، التَّقْدِيرُ: أَفَلَا يَتَّقُونَنِي؟
فَحُذِفَتْ نُونُ الرَّفْعِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَاءُ الْمُتَكَلِّمِ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي أَلَا يَتَّقُونِ بِالْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يكون الْمَعْنَى: أَلَا يَا نَاسُ اتَّقُونِ، كَقَوْلِهِ:
أَلَّا يَسْجُدُوا [1] . انْتَهَى. يَعْنِي: وَحُذِفَ أَلِفُ يَا خَطًّا وَنُطْقًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا تَخْرِيجٌ بَعِيدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَلَا لِلْعَرْضِ الْمُضَمَّنِ الْحَضَّ عَلَى التَّقْوَى، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لِلتَّنْبِيهِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: إِنَّهَا لِلنَّفْيِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْإِنْكَارِ.
وَلَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ عَظِيمَ النَّخْوَةِ حَتَّى ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ، كَثِيرَ الْمَهَابَةِ، قَدْ أُشْرِبَتِ الْقُلُوبُ الْخَوْفَ مِنْهُ خُصُوصًا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَيَضِيقُ وَلا يَنْطَلِقُ، بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَطْفًا عَلَى أَخَافُ.
فَالْمَعْنَى: إِنَّهُ يُفِيدُ ثَلَاثَ عِلَلٍ: خَوْفَ التَّكْذِيبِ، وَضِيقَ الصَّدْرِ، وَامْتِنَاعَ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ.
وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ، وَطَلْحَةُ، وَعِيسَى، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَزَائِدَةُ، عَنِ الِأَعْمَشِ، وَيَعْقُوبُ: بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَطْفًا عَلَى يُكَذِّبُونِ، فَيَكُونُ التَّكْذِيبُ وَمَا بَعْدَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْخَوْفِ.
وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، عَنْ الْأَعْرَجِ: أَنَّهُ قَرَأَ بِنَصْبِ: وَيَضِيقَ، وَرَفْعِ: وَلَا يَنْطَلِقُ، وَعَدَمُ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ هُوَ بِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْخَوْفِ وَضِيقِ الصَّدْرِ، لِأَنَّ اللِّسَانَ إِذْ ذَاكَ يَتَلَجْلَجُ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ عَنْ مَقْصُودِ الْإِنْسَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ بِالْقَوْلِ لِغُمُوضِ الْمَعَانِي الَّتِي تُطْلَبُ لَهَا أَلْفَاظٌ مُحَرَّرَةٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي وَقْتِ ضِيقِ الصَّدْرِ، لم ينطلق اللسان.

[1] سورة النمل: 27/ 25.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست