responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 494
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى أَيْ إِمَّا يَخْلُقُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ أَوَّلًا فَلَا يَضِلُّ أَحَدٌ وَإِمَّا يَخْلُقُهُ فِيهِمْ بَعْدَ ضَلَالِهِمْ، وَدَلَّ هَذَا التَّعْلِيقُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ مِنْهُمْ جَمِيعَهُمُ الْهُدَى، بَلْ أَرَادَ إِبْقَاءَ الْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: وَيُقَرِّرُ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّ قُدْرَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكُفْرِ إِنْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلْإِيمَانِ، فَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكُفْرِ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْإِيمَانِ فَخَالِقُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ يَكُونُ قَدْ أَرَادَ الْكُفْرَ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً له كما صالحة لِلْكُفْرِ اسْتَوَتْ نِسْبَةُ الْقُدْرَةِ إِلَيْهِمَا فَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ إِلَّا الدَّاعِيَةُ مُرَجِّحَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْعَبْدِ وَإِلَّا وَقَعَ التَّسَلْسُلُ، فَثَبَتَ أَنَّ خَالِقَ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ هُوَ اللَّهُ وَثَبَتَ أَنَّ مَجْمُوعَ الدَّاعِيَةِ الصَّالِحَةِ تُوجِبُ الْفِعْلَ وَثَبَتَ أَنَّ خَالِقَ مَجْمُوعِ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِذَلِكَ الْكُفْرِ مُرِيدٌ لِذَلِكَ الْكُفْرِ غَيْرَ مُرِيدٍ لِذَلِكَ الْإِيمَانِ، فَهَذَا الْبُرْهَانُ الْيَقِينِيُّ قَوَّى ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا بَيَانَ أَقْوَى مِنْ تَطَابُقِ الْبُرْهَانِ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْمُفَوِّضَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَقْتَضِي أَنْ يُؤْمِنَ الْكَافِرُ وَأَنَّ مَا يَأْتِيهِ الْإِنْسَانُ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ لَا خَلْقَ فِيهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بِآيَةٍ مُلْجِئَةٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَفْعَلُ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْحِكْمَةِ انْتَهَى، وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَالْإِلْجَاءُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ حَاوَلُوا غَيْرَ الْإِيمَانِ لَمَنَعَهُمْ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُونَ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ غَيْرِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ تَعَالَى إِنَّمَا تَرَكَ فِعْلَ هَذَا الْإِلْجَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ تَكْلِيفَهُمْ، فَيَكُونُ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ كَأَنْ لَمْ يَقَعْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى أَنْ يَنْتَفِعُوا بِمَا يَخْتَارُونَهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْوَصْلَةِ بِهِ إِلَى الثَّوَابِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارًا، وَأَجَابَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ بِأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْهُمُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِيمَانِ حَالَ كَوْنِ الدَّاعِي إِلَى الْإِيمَانِ وَإِلَى الْكُفْرِ بِالسَّوِيَّةِ، أَوْ حَالَ حُصُولِ هَذَا الرُّجْحَانِ، وَالْأَوَّلُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَحْصِيلِ الرُّجْحَانِ حَالَ حُصُولِ الِاسْتِوَاءِ تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالطَّرَفُ الرَّاجِحُ يَكُونُ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ يَكُونُ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمِكْنَةِ وَالِاخْتِيَارَاتِ، فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 494
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست