responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 303
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ قَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا فَتَقُولُ الْيَهُودُ: قَامُوا لَا قَامُوا، صَلَّوْا لَا صَلَّوْا، رَكَعُوا لَا رَكَعُوا، عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالضَّحِكِ فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ نَصْرَانِيٌّ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أُحْرِقَ الْكَاذِبُ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ فِي بَيْتِهِ فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ، فَنَزَلَتْ.
وَقِيلَ: حَسَدَ الْيَهُودُ الرَّسُولَ حِينَ سَمِعُوا الْآذَانَ وَقَالُوا: ابْتَدَعْتَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَنْبِيَاءِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الصِّيَاحُ كَصِيَاحِ الْعِيرِ؟ فَمَا أَقْبَحَهُ مِنْ صَوْتٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَنْزَلَ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ [1] الْآيَةَ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى: إِذَا نَادَى بَعْضُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَا يُنَادُونَ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ هُزُوًا وَلَعِبًا انْدَرَجَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ الدِّينُ، فَجَرَّدَ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمَ أَرْكَانِ الدِّينِ وَنَصَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَهْزَأَ بِالصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَّخَذَ وَلِيًّا وَيُطْرَدَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ كَالتَّوْكِيدِ لِلْآيَةِ قَبْلَهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْأَذَانِ بِنَصِّ الْكِتَابِ، لَا بِالْمَنَامِ وَحْدَهُ انْتَهَى. وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا نَادَيْتُمْ، وَلَمْ يَقُلْ نَادُوا عَلَى سَبِيلِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ دَلَّتْ عَلَى سَبْقِ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا عَلَى إِنْشَائِهَا بِالشَّرْطِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي اتَّخَذُوهَا عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أن يعود عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ نَادَيْتُمْ أَيِ: اتَّخَذُوا الْمُنَادَاةَ وَالْهُزْءَ وَالسُّخْرِيَةَ وَاللَّعِبَ الْأَخْذَ فِي غَيْرِ طَرِيقٍ.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْهُمْ، وَنَفَى الْعَقْلَ عَنْهُمْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ فِي الدِّينِ، وَاتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ هُزُوًا وَلَعِبًا، فِعْلَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى نَفَرٌ مَنْ يُهُودَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ؟ فَقَالَ: أُؤْمِنُ بِاللَّهِ: وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا- إِلَى قَوْلِهِ- وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [2] فَقَالُوا حِينَ سَمِعُوا ذِكْرَ عِيسَى، مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَتْ.
وَالْمَعْنَى: هَلْ تَعِيبُونَ عَلَيْنَا، أَوْ تُنْكِرُونَ، وَتَعُدُّونَ ذَنْبًا، أَوْ نَقِيصَةً مَا لَا يُنْكَرُ وَلَا يُعَابُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ كُلِّهَا؟ وَهَذِهِ مُحَاوَرَةٌ لَطِيفَةٌ وَجِيزَةٌ تُنَبِّهُ النَّاقِمَ عَلَى أَنَّهُ مَا نَقَمَ عَلَيْهِ إِلَّا مَا لَا يُنْقَمُ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ونظيره قول الشاعر:

[1] سورة فصّلت: 41/ 33.
[2] سورة المائدة: 5/ 59.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست