responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 146
قَوْلَهُ: وَلَا الْمَلَائِكَةُ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ لِاخْتِلَافِ الْخَبَرِ. وَإِنْ لُحِظَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا الْمَلَائِكَةُ مَعْنَى: وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَانَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدْ تَشَبَّثَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ زِيَادَةٌ فِي الْحُجَّةِ وَتَقْرِيبٌ مِنَ الْأَذْهَانِ أَيْ: وَلَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْمَخْلُوقِينَ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ مَنْ سِوَاهُمُ؟ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مِنْ أَيْنَ دَلَّ قَوْلُهُ تعالى: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَلَا مَنْ فَوْقَهُ؟ (قُلْتُ) : مِنْ حَيْثُ إِنَّ عِلْمَ الْمَعَانِي لَا يَقْتَضِي غَيْرَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا سِيقَ لِرَدِّ مَذْهَبِ النَّصَارَى وَغُلُوِّهِمْ فِي رَفْعِ الْمَسِيحِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَنْ يَرْتَفِعَ عِيسَى عَنِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ دَرَجَةً. كَأَنَّهُ قِيلَ: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، فَكَيْفَ بِالْمَسِيحِ؟
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً بَيِّنَةً تَخْصِيصُ الْمُقَرَّبِينَ لِكَوْنِهِمْ أَرْفَعَ الْمَلَائِكَةِ دَرَجَةً وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، وَمِثَالُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَمَا مِثْلُهُ مِمَّنْ يُجَاوِدُ حَاتِمٌ ... وَلَا الْبَحْرُ ذُو الْأَمْوَاجِ يَلْتَجُّ زَاخِرُهْ
لَا شُبْهَةَ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْبَحْرِ ذِي الْأَمْوَاجِ مَا هُوَ فَوْقَ حَاتِمٍ فِي الْجُودِ. وَمَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ فَلْيَذُقْ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى [1] حَتَّى يَعْتَرِفَ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالتَّفْضِيلُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالسَّمْعِ، إِذْ نَحْنُ لَا نُدْرِكُ جِهَةَ التَّفْضِيلِ بِالْعَقْلِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ يُقَالُ: مَتَى نُفِيَ شَيْءٌ عَنِ اثْنَيْنِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ أَرْفَعُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي. (فَإِذَا قُلْتَ) : لَنْ يَأْنَفَ فُلَانٌ أَنْ يَسْجُدَ لله ولا عمر، وفلا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ عَمْرًا أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ. وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، لِأَنَّهُ قَابَلَ مُفْرَدًا بِجَمْعٍ، وَلَمْ يُقَابِلْ مُفْرَدًا بِمُفْرَدٍ وَلَا جَمْعًا بِجَمْعٍ. فَقَدْ يُقَالُ: الْجَمْعُ أَفْضَلُ مِنَ الْمُفْرَدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْآيَةِ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا الْمُفْرَدُ عَلَى الْمُفْرَدِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي الْآيَةِ أَرْفَعُ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا أُلْقِيَ فِي أَذْهَانِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَلَكِ وَتَرْفِيعِهِ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَنْفُونَ الْبَشَرِيَّةَ عَنِ الْمَمْدُوحِ وَيُثْبِتُونَ لَهُ الملكية، ولا يدل تحيلهم ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ ثَوَابًا وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا أُلْقِيَ فِي الْأَذْهَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ النِّسْوَةِ التي فاجأهنّ

[1] سورة البقرة: 2/ 12.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 146
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست