responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 705
يَأْكُلُونَ الرِّبَا، وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ وَوَعِيدٌ عَنِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا مُسْتَحِلِّينَ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ:
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ وَقَوْلِهِ: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [1] ومن اخْتَارَ حَرْبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَهَذَا الْقِيَامُ الَّذِي فِي الْآيَةِ قِيلَ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَجُبَيْرٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ فِي الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَالْمَجَانِينِ، عُقُوبَةً لَهُمْ وَتَمْقِيتًا عِنْدَ جَمْعِ الْمَحْشَرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ سِيَمًا لَهُمْ يُعْرَفُونَ بِهَا، ويقوي بهذا التَّأْوِيلَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: لَا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْعَلُ مَعَهُ شَيْطَانٌ يَخْنُقُهُ كَأَنَّهُ يَخْبِطُ فِي الْمُعَامَلَاتِ فِي الدُّنْيَا، فَجُوزِيَ فِي الْآخِرَةِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ. وَقَدْ أُثِرَ
فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَكْلَةَ الرِّبَا، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ، وَذَكَرَ حَالَهُمْ أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا تَمِيلُ بِهِمْ بُطُونُهُمْ فَيُصْرَعُونَ، وَفِي طَرِيقٍ أَنَّهُ رَأَى بُطُونَهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْآيَةِ فَيُحْتَمَلُ تَشْبِيهُ حَالِ الْقَائِمِ بِحِرْصٍ وَجَشَعٍ إِلَى تِجَارَةِ الرِّبَا بِقِيَامِ الْمَجْنُونِ، لِأَنَّ الطَّمَعَ وَالرَّغْبَةَ يَسْتَفِزُّهُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَعْضَاؤُهُ، كَمَا يَقُومُ الْمُسْرِعُ فِي مَشْيِهِ يَخْلِطُ فِي هَيْئَةِ حَرَكَاتِهِ، إِمَّا مِنْ فَزَعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ جُنَّ. هَذَا وَقَدْ شَبَّهَ الْأَعْشَى نَاقَتَهُ فِي نَشَاطِهَا بِالْجُنُونِ فِي قَوْلِهِ:
وَتُصْبِحُ عَنْ غَبِّ السُّرَى وَكَأَنَّهَا ... أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ
لَكِنْ مَا جَاءَتْ بِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ يُضَعِّفُ هَذَا التَّأْوِيلَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ، إِلَّا كَمَا يَقُومُ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ.
وَ: مَا، الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: كَقِيَامِ الَّذِي، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِلَّا كَمَا يَقُومُهُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ. قِيلَ: مَعْنَاهُ كَالسَّكْرَانِ الَّذِي يَسْتَجِرْهُ الشَّيْطَانُ فيقع ظهرا لبطن، وَنَسَبَهُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ مُطِيعٌ لَهُ فِي سُكْرِهِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَخَبَّطُ الْإِنْسَانَ، فَقِيلَ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ هُوَ مِنْ فِعْلِ الشيطان

[1] سورة البقرة: 2/ 279.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 705
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست