responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 49
الْقُشَيْرِيُّ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، الذِّكْرُ اسْتِغْرَاقُ الذَّاكِرِ فِي شُهُودِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ اسْتِهْلَاكُهُ فِي وُجُودِ الْمَذْكُورِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا أَثَرٌ يُذْكَرُ، فَيُقَالُ: قَدْ كَانَ فُلَانٌ. قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ [1] . وَإِنَّمَا الدُّنْيَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فَكُنْ حَدِيثًا حَسَنًا لِمَنْ وَعَى، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّمَا الدُّنْيَا مَحَاسِنُهَا ... طَيِّبُ مَا يَبْقَى مِنَ الْخَبَرِ
وَفِي الْمُنْتَخَبِ مَا مُلَخَّصُهُ: الذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ: الْحَمْدُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّمْجِيدُ، وَقِرَاءَةُ كُتُبِ اللَّهِ وَبِالْقَلْبِ، وَهُوَ: الْفِكْرُ فِي الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّكَالِيفِ، وَالْأَحْكَامِ، وَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ، وَالْفِكْرِ فِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْفِكْرِ فِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَصِيرَ كُلُّ ذَرَّةٍ كَالْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ الْمُحَاذِيَةِ لِعَالَمِ التَّقْدِيسِ، فَإِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَيْهَا، انْعَكَسَ شُعَاعُ بَصَرِهِ مِنْهَا إِلَى عَالَمِ الْجَلَالِ، وَبِالْجَوَارِحِ، بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا، خَالِيَةً عَنِ الْأَعْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، سَمَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا بِقَوْلِهِ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [2] . انْتَهَى. وَقَالُوا: الذِّكْرُ هُوَ تَنْبِيهُ الْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ، وَأُطْلِقَ عَلَى اللِّسَانِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمَّا كَثُرَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ، صَارَ هُوَ السَّابِقَ إِلَى الْفَهْمِ. فَالذِّكْرُ بِاللِّسَانِ سِرِّيٌّ وَجَهْرِيٌّ، وَالذِّكْرِ بِالْقَلْبِ دَائِمٌ وَمُتَحَلِّلٌ، وَبِهِمَا أَيْضًا دَائِمٌ وَمُتَحَلِّلٌ. فَبِاللِّسَانِ ذِكْرُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الذِّكْرِ،
وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذِكْرًا» .
خَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
،
وَخَرَّجَ أَيْضًا قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أنا مع عبدي إذ هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ»
. وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ، فَقِيلَ لَهُ: نَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا نَجِدُ فِي قُلُوبِنَا حَلَاوَةً، فَقَالَ: احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى أَنْ زَيَّنَ جَارِحَةً مِنْ جَوَارِحِكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَبِالْقَلْبِ هُوَ ذِكْرُ الْعَارِفِينَ وَخَوَاصِّ الْمُؤْمِنِينَ،
وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذِكْرًا
، وَمَعْنَاهُ اسْتِقْرَارُ الذِّكْرِ فِيهِ حَتَّى لَا يَخْطُرَ فِيهِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ: قَالَ الشَّاعِرُ:
سِوَاكَ بِبَالِي لَا يَخْطُرُ ... إِذَا مَا نَسِيتُكَ مَنْ أَذْكُرُ
وَبِهِمَا: هُوَ ذِكْرُ خَوَاصِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذِهِ ثَلَاثُ الْمَقَامَاتِ، أَدْوَمُهَا أَفْضَلُهَا. انْتَهَى.
وَقَدْ طَالَ بِنَا الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَتَرَكْنَا أَشْيَاءَ مِمَّا ذَكَرَهُ النَّاسُ، وَهَذِهِ التَّقْيِيدَاتُ وَالتَّفْسِيرَاتُ التي فسر بها الذكران، لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ

[1] سورة الذاريات: 51/ 16.
[2] سورة الجمعة: 62/ 9.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست