responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 397
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ فَرْضِ الْقِتَالِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلطِّبَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَافِ الْمُهَجِ وَانْتِقَاصِ الْأَمْوَالِ، وَانْتِهَاكِ الْأَجْسَادِ بِالسَّفَرِ فِيهِ وَبِغَيْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْرَهُ الشَّيْءَ وَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، لِأَنَّ عِقَابَهُ إِلَى خَيْرٍ، فَالْقِتَالُ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِلطَّبْعِ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ إِنْ سَلِمَ، فَخَيْرُهُ بِالظَّفَرِ بأعداء الله، وبالغنيمة، واستيلاء عَلَيْهِمْ قَتْلًا وَنَهْبًا وَتَمَلُّكِ دَارٍ، وَإِنْ قُتِلَ فَخَيْرُهُ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَرْتَبَةَ الشُّهَدَاءِ.
وَيَكْفِيكَ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْعَظِيمَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مُقَابِلَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ فَمِنَ الْمَحْبُوبِ تَرْكُ الْقِتَالِ، وَهُوَ مَدْعَاةٌ إِلَى الدُّعَاءِ وَالرَّاحَةِ، وَفِي ذَلِكَ الشَّرُّ الْعَظِيمُ مِنْ تَسَلُّطِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَالْإِيقَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَتَمَلُّكِ دِيَارِهِمْ، فَمَتَى أَخْلَدَ الْإِنْسَانُ إِلَى الرَّاحَةِ طَمِعَ فِيهِ عَدُوُّهُ، وَبَلَغَ مِنْهُ مَقَاصِدَهُ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ زُهَيْرٌ حَيْثُ قَالَ:
جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَرِيعًا، وَإِنْ لايبد بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ حَيْثُ شَرَعَ الْقِتَالَ، فَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا يَتَرَتَّبُ لَكُمْ مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِتَالِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، لِمَا كَانَ وَقْعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْقَصْدِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأُخْبِرُوا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ إِثْمٌ كَبِيرٌ، إِذْ كَانَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ لَا قِتَالَ فِيهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا يَرْتَكِبُهُ الْكُفَّارُ مِنْ صَدِّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمِنْ إِخْرَاجِ أَهْلِهِ مِنْهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ الْفِتْنَةَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَهُوَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ عَنْ دِينِهِ، أَكْبَرُ مِنْ قَتْلِهِ وَهُوَ عَلَى دِينِهِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَةَ تَؤُولُ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَقَتْلَهُ هَذَا يَؤُولُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ دَوَامِ عَدَاءِ عَدَاوَةِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّ مَقْصِدَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِتْنَتُكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَرُجُوعِكُمْ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ، وَأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ وَقَدَرُوا عَلَيْهِ قَاتَلُوكُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ الْحَقِّ إِلَى دِينِهِ الْبَاطِلِ، وَوَافَى عَلَى ذَلِكَ، فَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَاتِ قَدْ بَطَلَتْ فِي الدُّنْيَا بِإِلْحَاقِهِ بِالْكُفَّارِ، وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَيْهِ، وَفِي الْآخِرَةِ فَلَا يَبْقَى لَهَا ثَمَرَةٌ يَرْتَجِي بِهَا غُفْرَانًا لِمَا اجْتَرَحَ، بَلْ مَآلُهُ إِلَى النَّارِ خَالِدًا فِيهَا.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 397
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست