responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 286
وَعَدَمِ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُجَادَلَةِ. فَمَقْصِدُ الْآيَةِ غَيْرُ مَقْصِدِ الْحَدِيثِ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ اقْتَصَرَ عَلَى الِاثْنَيْنِ.
وَقَدْ بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَهِيَ مُرَادٌ بِهَا النَّفْيُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ إِخْبَارًا؟ أَوْ صُورَتُهَا صُورَةُ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ؟ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي (الْمُنْتَخَبِ) قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ، وَمَعْنَاهَا نَهْيٌ. أَيْ: فَلَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ [1] أَيْ: لَا تَرْتَابُوا فِيهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَهُ الْخَبَرُ، وَيَحْتَمِلُ النَّهْيَ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ حَجَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِلَالِ، بَلْ يَفْسُدُ، فَهُوَ كَالضِّدِّ لَهَا وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّتِهِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْمَعْنَى، إِلَّا إِنْ أُرِيدَ بِالرَّفَثِ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقِ: الزِّنَا، وَبِالْجِدَالِ: الشَّكُّ فِي الْحَجِّ وَفِي وُجُوبِهِ، لِأَنَّ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ كُفْرٌ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْحَجُّ، وَحُمِلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي حَتَّى يَصِحَّ خَبَرُ اللَّهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجَدُ مَعَ الْحَجِّ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى النَّهْيِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، صَلُحَ أَنْ يُرَادَ بِالرَّفَثِ: الْجِمَاعُ، وَمُقَدِّمَاتُهُ، وَقَوْلُ الْفُحْشِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ جَمِيعُ أنواعهما لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَقْسَامِهِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَقْسَامِهِ.
وَتَكُونُ الْآيَةُ جَلِيَّةً عَلَى الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَمُشِيرَةً إِلَى قَهْرِ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ، بِقَوْلِهِ:
فَلا رَفَثَ وَإِلَى قَهْرِ الْقُوَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَلا فُسُوقَ وَإِلَى قَهْرِ الْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ بِقَوْلِهِ:
وَلا جِدالَ فَذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ مَنْشَأَ الشَّرِّ مَحْصُورٌ فِيهَا، وَحَيْثُ نَهَى عَنِ الْجِدَالِ حَمَلَ الْجِدَالَ عَلَى تَقْرِيرِ الْبَاطِلِ وَطَلَبِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، لَا عَلَى تَقْرِيرِ الْحَقِّ وَدُعَاءِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ وَالذَّبِّ عَنْ دِينِهِ. انْتَهَى مَا لَخَّصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِ.
وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهَا جُمْلَةٌ، صُورَتُهَا صُورَةُ الْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى عَلَى النَّهْيِ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ لَكَانَ الْمُؤَدِّي لِهَذَا الْمَعْنَى تَرْكِيبٌ غَيْرُ هَذَا التَّرْكِيبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إِنْسَانٌ مَثَلًا: مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا جِمَاعَ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا زِنَا بِغَيْرِهَا، وَلَا كُفْرَ فِي الصَّلَاةِ، يُرِيدُ الْخَبَرَ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ لَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْفَصَاحَةِ فِي رُتْبَةِ قَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ مَعَ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ وَزِنَاهُ وَكُفْرِهِ؟ فَالَّذِي يُنَاسِبُ الْمَعْنَى الْخَبَرِيَّ نَفْيُ صِحَّةِ الْحَجِّ مَعَ وُجُودِ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ لَا نَفْيُهُنَّ فِيهِ، هكذا الترتيب العربي

[1] سورة البقرة: 2/ 2، وآل عمران: 3/ 9 و 25. والنساء: 4/ 87. والأنعام: 6/ 12. ويونس: 10/ 37.
والإسراء: 17/ 99. والسجدة: 32/ 2. والشورى: 42/ 7. والجاثية: 45/ 26.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 2  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست