responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 523
لَا تَكُونُ عَلَى فِي مَعْنَى فِي، بَلْ هَذَا مِنَ التَّضْمِينِ فِي الْفِعْلِ ضُمِّنَ تَتَقَوَّلُ، فَعُدِّيَتْ بِعَلَى لِأَنَّ تَقَوَّلَ: تُعَدَّى بِهَا، قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا [1] وَمَعْنَى: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أَيْ شَرْعِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَحَالِهِ. وَقِيلَ: عَلَى عَهْدِهِ، وَفِي زَمَانِهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ. وَقِيلَ: عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ آلَاتِ مُلْكِهِ. وَفَسَّرُوا مَا يَتْلُو الشَّيَاطِينُ بِالسِّحْرِ، قَالُوا: وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَالْأَظْهَرُ عَلَى مَا نُقِلَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، مِنْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَتَبَتِ السِّحْرَ وَاخْتَلَقَتْهُ وَنَسَبَتْهُ إِلَى سُلَيْمَانَ وَآصَفَ. وَقِيلَ: الَّذِي تَلَتْهُ هُوَ الْكَذِبُ الَّذِي تُضِيفُهُ إِلَى مَا تَسْتَرِقُ مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، وَأَضَافُوا ذَلِكَ إِلَى سُلَيْمَانَ تَفْخِيمًا لِشَأْنِ مَا يَتْلُونَهُ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ مَعَهُ: مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَإِظْهَارِ الْخَوَارِقِ، وَتَسْخِيرِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَتَقْرِيبِ الْمُتَبَاعِدَاتِ، وَتَأْلِيفِ الْخَوَاطِرِ، وَتَكْلِيمِ الْعَجْمَاوَاتِ، كَانَ أَمْرًا عَظِيمًا. وَالسَّاحِرُ يَدَّعِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ: مِنْ تَسْخِيرِ الْجِنِّ، وَبُلُوغِ الْآمَالِ، وَالتَّأْثِيرِ فِي الْخَوَاطِرِ، بَلْ وَيَدَّعِي قَلْبَ الْأَعْيَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّحْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا حَصَلَ بِالسِّحْرِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي كَيْفِيَّاتِ مَا رَتَّبُوهُ مِنْ هَذَا الَّذِي تَلَوْهُ قِصَصًا كَثِيرَةً، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَلَا الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ لِشَيْءٍ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ نَذْكُرْهُ.
وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: تَنْزِيهٌ لِسُلَيْمَانَ عَنِ الْكُفْرِ، أَيْ لَيْسَ مَا اخْتَلَقَتْهُ الْجِنُّ مِنْ نِسْبَةِ مَا تَدَّعِيهِ إِلَى سُلَيْمَانَ تَعَاطَاهُ سُلَيْمَانُ، لِأَنَّهُ كُفْرٌ، وَمَنْ نَبَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ، فَضْلًا عَنِ الْكُفْرِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نَفْيِ الشَّيْءِ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْكُفْرُ، وَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَا نَسَبُوهُ إِلَى سُلَيْمَانَ مِنَ السِّحْرِ يَكُونُ كُفْرًا، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ نَسَبُوا إِلَيْهِ الْكُفْرَ مَعَ السِّحْرِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ: انْظُرُوا إِلَى مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ سُلَيْمَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا كَانَ إِلَّا سَاحِرًا.
وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْآيَاتِ أَنَّ أَحَدًا نَسَبَ سُلَيْمَانَ إِلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهَا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْيَهُودَ نَسَبَتْهُ إِلَى السِّحْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ.
وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا: كُفْرُهُمْ، إِمَّا بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ، وَإِمَّا تَعَلُّمِهِمْ بِهِ، وَإِمَّا بِتَكْفِيرِهِمْ سُلَيْمَانَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَاسْتِعْمَالُ لَكِنَّ هَنَا حَسَنٌ، لِأَنَّهَا بَيْنَ نَفْيٍ وإثبات. وقرىء: وَلَكِنَّ بِالتَّشْدِيدِ، فَيَجِبُ إِعْمَالُهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَعَاصِمٍ وابن

[1] سورة الحاقة: 69/ 44.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 523
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست