responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 507
مَا كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ وَيَعْرِفُونَهُ، كَفَرُوا بِهِ، فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنَةِ. وَأَنَّ سَبَبَ طَرْدِهِمْ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ هُوَ مَا سَبَقَ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَأَنَّ إِيمَانَهُمْ كَانَ قَلِيلًا، إِذْ كَانُوا قَبْلَ مَجِيءِ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي كِتَابٌ. ثُمَّ أَخَذَ فِي ذِكْرِ ذَمِّهِمْ، أَنْ بَاعُوا أَنْفُسَهُمُ النَّفِيسَةَ بِمَا يَتَرَتَّبُ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالرِّيَاسَاتِ الْمُنْقَضِيَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ، لِأَنِ اخْتَصَّ اللَّهُ بِفَضْلِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَلَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِهِ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ، فَبَاءُوا بِالْغَضَبِ مِنَ اللَّهِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ الْعَذَابَ الَّذِي يُذِلُّهُمْ وَيُهِينُهُمْ. إِذْ كَانَ امْتِنَاعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، إِنَّمَا هُوَ لِلتَّكَبُّرِ وَالْحَسَدِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَدَرِ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْعَذَابَ الَّذِي فِيهِ صَغَارٌ لَهُمْ وَذِلَّةٌ وَإِهَانَةٌ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِمُ الإيمان بما أنزل الله، أَجَابُوا أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالتَّوْرَاةِ، وَأَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِمَا سِوَاهَا. هَذَا وَالْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سَوَاءٌ، إِذْ كُلُّهَا حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَالْكُفْرُ بِبَعْضِهَا كُفْرٌ بِجَمِيعِهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِكَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ:
نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ، وَالتَّوْرَاةُ نَاطِقَةٌ بِاتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ فِعْلُهُمْ. ثُمَّ كَرَّرَ عَلَيْهِمْ، تَوْبِيخًا لَهُمْ، أَنَّ مُوسَى الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهَا، قَدْ جَاءَهُمْ بِالْأَشْيَاءِ الْوَاضِحَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْخَارِقَةِ، مِنْ نَجَاتِهِمْ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ، اتَّخَذُوا مِنْ بَعْدِ ذَهَابِهِ إِلَى مُنَاجَاةِ رَبِّهِ إِلَهًا مِنْ أَبْعَدِ الْحَيَوَانِ ذِهْنًا وَأَبْلَدِهَا، وَهُوَ الْعِجْلُ الْمَصْنُوعُ مِنْ حُلِيِّهِمْ، الْمُشَاهَدُ إِنْشَاؤُهُ وَعَمَلُهُ، وَمُوسَى لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، وَكِتَابُ اللَّهِ طَرِيٌّ نُزُولُهُ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَتَقَادَمْ عَهْدُهُ.
وَكَرَّرَ تَعَالَى ذِكْرَ رَفْعِ الطُّورِ عَلَيْهِمْ لِيَقْبَلُوا مَا فِي التَّوْرَاةِ، وَأُمِرُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَأَجَابُوا بِالْعِصْيَانِ. هَذَا وَهُمْ مُلْجَئُونَ إِلَى الْإِيمَانِ، أَوْ كَالْمُلْجَئِينَ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمُزْعِجِ الْعَظِيمِ مِنْ رَفْعِ جَبَلٍ عَلَيْهِمْ لِيُشْدَخُوا بِهِ جَدِيرٌ بِأَنْ يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَيَقْبَلَ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنَ التَّكَالِيفِ. وَتَأَبِّيهِمْ لِذَلِكَ، وَعَدَمُ قَبُولِهِمْ، سَبَبُهُ أَنَّ عِبَادَةَ الْعِجْلِ خَامَرَتْ قُلُوبَهُمْ وَمَازَجَتْهَا، حَتَّى لَمْ تَسْمَعْ قَبُولًا لِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ، وَالْقَلْبُ إِذَا امْتَلَأَ بِحُبِّ شَيْءٍ لَمْ يَسْمَعْ سِوَاهُ وَلَمْ يُصْغِ إِلَى مَلَامٍ، وَأَنْشَدُوا:
مَلَأْتَ بِبَعْضِ حُبِّكَ كُلَّ قَلْبِيَ ... فَإِنْ تُرِدِ الزِّيَادَةَ هَاتِ قَلْبَا
ثُمَّ ذَمَّهُمْ تَعَالَى عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ إِيمَانُهُمْ، وَلَا إِيمَانَ لَهُمْ حَقِيقَةً، بَلْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَاتِّخَاذِهِ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. ثُمَّ كَذَّبَهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ خَالِصَةٌ لَهُمْ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سِوَاهُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ، لِأَنَّ مَنِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 507
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست