responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 500
كَلَامُهُ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ، أَعْنِي قَوْلَ الَمَهْدَوِيِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ، مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ أَبَدًا ظَاهِرُهُ أَنْ يَسْتَغْرِقَ مدة أعمارهم، كما بيناه. وَهَلِ امْتِنَاعُهُمْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، كَانَ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ عَرَضَ عَلَى قَوْمِهِ أَمْرًا وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ فَرَدُّوهُ تَكْذِيبًا لَهُ، فَإِنَّ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؟ أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِصِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ؟ أَوْ لِصَرْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ فِي عَدَمِ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ بِالصِّرْفَةِ؟ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ. وَالَّذِي قَدَّمَتْهُ أَيْدِيِهِمْ: تَكْذِيبُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ، وَقَتْلُهُمْ إِيَّاهُمْ، وَقَوْلُهُمْ: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [1] ، وَقَوْلُهُمْ: اجْعَلْ لَنا إِلهاً [2] ، وقولهم:
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ [3] ، وَاعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْتِ، وَسَائِرُ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَمْ تَصْدُرْ مِنْ أُمَّةٍ قَبْلَهُمْ وَلَا بَعْدَهُمْ. وَهَذَا التَّمَنِّي الَّذِي طُلِبَ مِنْهُمْ، وَنُفِيَ عَنْهُمْ، لَمْ يَقَعْ أَصْلًا مِنْهُمْ، إِذْ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَلَتَوَفَّرَتْ دَوَاعِي الْمُخَالِفِينَ لِلْإِسْلَامِ عَلَى نَقْلِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَقْوَالُ فِي تَفْسِيرِ التَّمَنِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْنِي بِهِ هُنَا الْعَمَلَ الْقَلْبِيَّ، لِأَنَّهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَلَا يُتَحَدَّى بِهِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الْقَوْلَ اللِّسَانِيَّ كَقَوْلِكَ: لَيْتَ الْأَمْرَ يَكُونُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلٍ ذَلِكَ: تَمَنَّى؟ وَتُسَمَّى لَيْتَ كَلِمَةَ تَمَنٍّ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَالُوا: تَمَنَّيْنَا ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُمْ مِنَ الْإِخْبَارِ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا بِقُلُوبِهِمْ، كَوْنَهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ قَاوَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ لَا يُصَدِّقُونَهُمْ فِيهَا، مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، وَتَحْرِيفِ كِتَابِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَقُولُ: إِنَّ الْجَنَّةَ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ. وَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ مِنِ ادِّعَاءِ بُنُوَّةٍ وَمَحَبَّةٍ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا جَعَلَتْهُ الْيَهُودُ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يَزُولُ عَنْهُمْ خَوَّفُ الْخَاتِمَةِ. وَالْخَاطِئُ مِنْهُمْ مُفْتَقِرٌ إِلَى زَمَانٍ يَتَدَارَكُ فِيهِ تَكْفِيرَ خَطَئِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَمَنَّ الْمُؤْمِنُونَ الْمَوْتَ. وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ يَتَمَنَّوْنَهُ. وَذَكَرُوا فِي مَا مِنْ قَوْلِهِ:
بِما قَدَّمَتْ، أَنَّهَا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَوْصُولٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَمَّا اجْتَرَحُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي السَّابِقَةِ. وَنُسِبَ التَّقْدِيمُ لِلْيَدِ مَجَازًا، وَالْمَعْنَى بِمَا قَدَّمُوهُ، إِذْ كَانَتِ الْيَدُ أَكْثَرَ الْجَوَارِحِ تَصَرُّفًا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَكَثُرَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْقُرْآنِ: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ [4] ، بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [5] ، فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [6] . وقيل:

[1] سورة النساء: 4/ 153.
[2] سورة الأعراف: 7/ 138.
[3] سورة الماء: 5/ 24.
[4] سورة الحج: 22/ 10.
[5] سورة الأنفال: 8/ 51.
[6] سورة الشورى: 42/ 30.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 500
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست