responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 494
قِصَّةِ الطُّورِ ذِكْرَ تَوَلِّيهِمْ عما أمروا به، من قَبُولِ التَّوْرَاةِ وَعَدَمِ رِضَاهُمْ بِأَحْكَامِهَا اخْتِيَارًا، حَتَّى أُلْجِئُوا إِلَى الْقَبُولِ اضْطِرَارًا، فَدَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. ثُمَّ فِي قِصَّةِ الطُّورِ تَذْيِيلٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ. وَالْعَرَبُ مَتَى أَرَادَتِ التَّنْبِيهَ عَلَى تَقْبِيحِ شَيْءٍ أَوْ تَعْظِيمِهِ، كَرَّرَتْهُ. وَفِي هَذَا التَّكْرَارِ أَيْضًا مِنَ الْفَائِدَةِ تِذْكَارُهُمْ بِتَعْدَادِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَنِقَمِهِ مِنْهُمْ، لِيَزْدَجِرَ الْأَخْلَافُ بِمَا حَلَّ بِالْأَسْلَافِ.
وَاسْمَعُوا أَيِ: اقْبَلُوا مَا سَمِعْتُمْ،
كَقَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
، أَوِ اسْمَعُوا مُتَدَبِّرِينَ لِمَا سَمِعْتُمْ، أَوِ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [1] . لِأَنَّ فَائِدَةَ السَّمَاعِ الطَّاعَةُ، قَالَهُ الْمُفَضَّلُ. وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قَرِيبٌ. قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: مَعْنَى اسْمَعُوا: افْهَمُوا.
وَقِيلَ: اعْمَلُوا، وَوَجَّهَهُ أَنَّ السَّمْعَ يُسْمَعُ بِهِ، ثُمَّ يُتَخَيَّلُ، ثُمَّ يُعْقَلُ، ثُمَّ يُعْمَلُ بِهِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَقْتَضِي عَمَلًا. وَلَمَّا كَانَ السَّمَاعُ مُبْتَدَأً، وَالْعَمَلُ غَايَةً، وَمَا بَيْنَهُمَا وَسَائِطَ، صَحَّ أَنْ يُرَادَ بَعْضُ الْوَسَائِطِ، وَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْغَايَةُ. قالُوا: هَذَا مِنَ الِالْتِفَاتِ، إِذْ لَوْ جَاءَ عَلَى الْخِطَابِ لَقَالَ: قُلْتُمْ سَمِعْنا وَعَصَيْنا: ظَاهِرُهُ أَنَّ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مَقُولَةٌ، وَنَطَقُوا بِذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي التَّعَنُّتِ وَالْعِصْيَانِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا إِذَا نَظَرُوا إِلَى الْجَبَلِ قَالُوا:
سَمِعْنا وَأَطَعْنا [2] ، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى الْكِتَابِ قَالُوا: سَمِعْنا وَعَصَيْنا. وَقِيلَ: الْقَوْلُ هُنَا مَجَازٌ، وَلَمْ يَنْطِقُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقْبَلُوا شَيْئًا مِمَّا أُمِرُوا بِهِ، جُعِلُوا كَالنَّاطِقِينَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: يُعَبَّرُ بِالْقَوْلِ لِلشَّيْءِ عَمَّا يُفْهَمُ بِهِ مِنْ حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُطْقٌ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَمِعْنَا بِآذَانِنَا وَعَصَيْنَا بِقُلُوبِنَا، وَهَذَا رَاجِعٌ لِمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: قَالُوا سَمِعْنَا قَوْلَكَ وَعَصَيْنَا أَمْرَكَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ طَابَقَ قَوْلُهُ جَوَابَهُمْ؟ قُلْتُ: طَابَقَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَالَ لَهُمُ اسْمَعُوا، وَلْيَكُنْ سَمَاعُكُمْ سَمَاعَ تَقَبُّلٍ وَطَاعَةٍ، فَقَالُوا سَمِعْنَا وَلَكِنْ لَا سَمَاعَ طَاعَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ، لِأَنَّا لَا نَصِيرُ إِلَى التَّأْوِيلِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ. وَأُشْرِبُوا: عَطْفٌ عَلَى قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا. فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَالُوا، أَيْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا وَأُشْرِبْتُمْ، أَوْ عَطْفٌ مُسْتَأْنِفٌ لَا دَاخِلٌ فِي بَابِ الِالْتِفَاتِ، بَلْ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَنْهُمْ بِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، أَوِ الْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ وَقَدْ أُشْرِبُوا وَالْعَامِلُ قَالُوا، وَلَا يَحْتَاجُ الْكُوفِيُّونَ إِلَى تَقْدِيرِ قَدْ فِي الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. فِي قُلُوبِهِمُ: ذَكَرَ مكان الإشراب،

[1] سورة التغابن: 64/ 16.
[2] سورة النساء: 4/ 46.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 494
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست